Tuesday, March 28, 2006

ممنوع ذبح الاناث

أطلت من وراء الشيش , كانت الحركة فى الشارع لا تهدأ, وقفت متسّمرة,تنظر بعيون زائغة الى المجهول, لا تعرف حسابا للوقت ,
لا تدرى كم من الليالى طالت وقفتها هكذا فى إنتظاره.
سرح خيالها بعيدا , منذ متى غادر الحارة؟, تحسبه دهرا طويلا ,أمها تخبرها بأنه أقل من شهر,لكن الأمر اختلط عليها,الصداع وعدم النوم يشوشان تفكيرها .
آه لو ظهر فجأة طالبا السماح .
إمتدت يدها تتحسس صدرها, يؤلمها منذ أيام, تحس كما لو كان محتقنا, ضغطت عليه بشدُة كما لو كانت تستمزج ألالم ,كأنما تريد إنتزاعه, يالشدة البؤس,نزل كفها قليلا إلى أسفل, بطنها لم تزل على حالها, لم تعلو بعد, ولكن إلى متى ,ضغطت عليها بقبضتها حتى آلمتها, طوًفت بها موجة حزن غامر,كم تمنت أن تغمض عينيها وتفتحها فتجده امامها طالبا السماح, يطوقها بذراعيه ويحملها بعيدا, ولكنها مجرد احلام لم تعد من حقها .
بخطوات بائسة تحركت إلى حافة السرير, جلست متثاقلة ,التفكير يقتلها , ماذا تصنع ,لا يعرف السر الا امها ورفيقتها فاطمة وهو, هل تقتل نفسها لتستريح؟ رباه ما كل هذه الحيرة و الضياع.

***
أحبته كثيرا, ملك عليها جميع كيانها,من اين ظهر لها؟,,لاحت ابتسامه عابرة ,كان ذلك فى عامها الدراسى الاخير, قبل آخر امتحان, لم تكن تعرف احدا , ولا تكلم احدا ,سوى رفيقتها فاطمة, اما الاخريات فكانت علاقات عابرة, نشأت وحيدة ,كانت هدية السماء لوالديها بعد طول إنتظار.
إقتحم عليها حياتها فجأة , لم تكن علاقتها بالذكور تتجاوز رد السلام, تتوجس دائما منهم, هكذا تعلمت من أمها ,أخبرتها ان لا تقترب منهم ,فهم دائما شريرين.
كانت عائدة من الكلية ,ظهر فجأة فى الاتجاه المقابل, أحست ان نظراته موجههة نحوها, لم تكن تنظر اليه, ولكنها كانت تشعر به فى الفراغ, إرتبكت خطواتها, شعرت برجفة لا تدرى سببها, عبرها بعد ان كاد يصطدم بها, كأنما احست بانفاسه,تمالكت انفاسها واستمرت فى السير,ولكنها احست كأن الله اراد ان يوقعها فى تجربة.
أكملت سيرها لكن صورته إنطبعت فى مخيلتها, ذقن غير حليقه, مهمل الملابس, عيون نافذة فيها جرأة , ممسكا بكتاب بين يديه, خطواته سريعة وواثقه.
عندما عادت الى غرفتها إستلقت على السرير, تستعيد المشهد بأكمله, ما الذى حدث؟ هل كان فعلا يقصدها, لا تعرف, هل لاحظ شكلها, إنها تدرك أنه ركًز عليها طويلا, مسح جسمها كله بعينيه, كأنما أراد أن يثبًت صورتها فى ذهنه, تدرك أنها غير جميله,هكذا تشعر,كأن أنفاسه لم تزل تلفح وجهها.
ظلت هكذا حتى نامت,لا تعرف متى إستيقظت, ولكنها كانت تشعر بالانتعاش.

***
فى اليوم التالى رأته, واقفا عند محطة الاتوبيس, بنفس الملابس,وفى يديه نفس الكتاب, فكرت أن تعود أدراجها, لكنها تجرأت وإقتربت, وقفت بعيدا, احست به يقترب منها ,حتى كاد يلاصقها, سمعته يهمس بالتحية, وجدت نفسها ترد عليه, سألها إلى أين؟, لم تجد مبررا لسؤاله, ليسوا أصدقاء لكنها أجابته, ركب معها, نزلت فى محطتها, وإستمر هو.
تكرر نفس المشهد فى الايام التالية, يوصلها الى الكلية, ويمضى الى سبيله,
بدأت تتعود عليه, كأنما تعرفه من زمن, فاجأها يوما بسؤال متى تنتهى دروسها اليوم, اجابته, قال سأكون فى إنتظارك.
ظلت شاردة طوال اليوم, لم تستوعب شيئ من الدرس, فكرت أن تخبر فاطمة لكنها ترددت.
وجدته واقفا على باب الكلية, لم يقل شيئ , سار بخطى سريعة, سارت خلفه كالمنومه,صعدا الطريق فى إتجاه الكورنيش صامتين, ماأن بدأت خطواتهما تأخذان شكلا منتظما على الارض الحجرية, وهواء ابريل القادم من البحر يكاد أن يطير الفستان,حتى تحركت شفتيه: إنتظرت هذا اليوم كثيرا,لم تدر ماذا تقول ,ظلت صامتة ,وظلا سائرين.
لم تلاحظ كم من الوقت إستغرقهما المسير, عندما إلتف الطريق بإنعطافة حادة, وجدت نفسها فى مواجهة القلعة, هامسة قالت:هيا لنعود.

***
جالسين على طاولة فى كازينو الشاطبى ,مد يده لتحتضن يدها,وهو ينظر الى عينيها بجرأة, مندفعا فى الكلام بقوُة,وهى تتابعه فى صمت مستغربة, من اين جاء بكل تلك الجرأة, يتحدث فى كل الموضوعات بخبرة,تتجاوز سنوات عمره بكثير, تبحر فى سواد عينيه, وتحلم ان يكون لها وحدها.

***
تراها ما زالت طفلتها الصغيرة, لا تعرف شيئ من تلك الاشياء التى تسمع انً الاخريات
يفعلونها,هى كتلة البراءة التى لم تتلوث, لا تستطيع ان تخفى عنها شيئ, لقد ربتها على الصراحة, وان تحكى لها كل صغيرة وكبيره تحدث لها خلال اليوم, كلها اشياء صغيرة مثل سنها الصغير, اكبرها ان يتمزق شرابها وهى تصعد الاتوبيس, لكن ما أزعجها أنها فى الايام الاخيرة تشعر انها تخفى عنها شيئ ما, تغيًر مسلكها, تعود من الخارج شاردة, تدخل غرفتها وتغلق الباب, لا تريد ان تتحدث معها كما كانت,تمتنع عن الكلام بضجر, تغيًر الموضوع, وتنسحب فى هدوء,,, آه كم هى قلقة عليها.

***
جالسة الى طرف السرير تحملق فى المجهول, الغرفة قذرة, رائحة عفنة تفوح منها, باب الحمام مفتوح على الغرفة مباشرة, متمدد هو على ظهره مشعلا سيجاره, وعلى شفتيه ملامح ابتسامة بلهاء, القت عليه نظرة جامدة,تحركت ببطإ, ارتدت ملابسها, أغلقت الباب خلفها بعنف, لفًها الزحام, تكاد قدميها لا تحملانها, الى متى تخفى هذا الامر عن أمها,بدأت تضًيق الخناق عليها, لا تدرى ماذا تقول لها, ودًت لو انهت حياتها.

***
لم تعد تحتمل,لا تدرى ماذا تفعل, اليأس يكاد يقتلها, كيف حدث هذا؟, اين كانت؟, كيف استطاعت تلك الطفلة ان تخفى عليها طول الوقت هذه العلاقة, يالبؤسها, اين تهرب من الفضيحة, ترفض بعناد ان تذهب معها الى الطبيب لإجراء العملية, ماذا لو عرف أبوها؟, مصيبه, وآه لو عرف أخوها, كارثة, تمنت لو إستطاعت هى أن تنهى حياتها بيديها, ولكن, هل تجرؤ؟.

***
ألقت بنفسها على السرير, عيناها مركزتان على علامة بالسقف,لا ترى شيئا, الطنين يملأ أذنيها, لقد اختفى وتركها وحيدة, قصيرة تلك الايام الجميلة, ذاب فى الزحام, كيف تجده, وفرضا ماذا تقول له, هل ترجوه؟, هل تستحلفه بحبهما, لا فائدة..لم يعد هناك مخرج.

***


فى الصباح وجدوها ميتة
.
( تمت )
تأليف: بنتاؤور

Friday, March 17, 2006

حب ماتيلدا والقرنفل


يا حبيبتي ، ما أكثر الدروب لبلوغ القبلة
والوحدة الشاردة قبل اللقاء بكِ
القطارات وحدها تستمر ،
منطلقة مع المطر .
في " طلطالة " الربيع لم يشرق بعد
أنت وأنا ، يا حبيبتي ، أحدنا للآخر
أحدنا للآخر من ثيابنا حتى الجذور
أحدنا للآخر من خريف وخصور وماء
حتى لا يكون سوانا واحداً للآخر
صحيح أن جريان النهر
كلَّف حجارة كثيرة تدحرجت
في مصب مياه البورو
ـ واصحيح أن قطارات وأمما تفصل بيننا
تعالي أنت وأنا لنتعاشق ببساطة
متحدين بالجميع ، بالرجال والنساء
وبالأرض حيث تتجذر زهرة القرنفلة وتكبر
بابيلو نيرودا من : 100 قصيدة حب للفؤوس .

Tuesday, March 07, 2006

انا حرة



أنا حرّه وأموت في الحريّه
ومزاجي أعمل سحلـيّـه
أزحف ع الأرض وع الحيطه
واطلع وانزل واعمل زيطه
واضرب في الشمس طرمبيطه
أنا حره بديلي وبراسي
وماحدّش يكتم أنفاسي
وما احطش ماسك لإحساسي
ولا احط قزازولا أقفل شيش
عقلي يا هزازكلّك نغاشيش
وأنا حره أعيش أنا عاوزه أعيش
أنا بدي أعيش أنا نفسي أعيش
على كيف كيفي
أنا حرّه وأموت في الحريّه
ومزاجي أعمل سحلـيّـه
أرقع في الشمس الزغروطه
واخد حمام من غير فوطه
أنا حره براسي وبديلي
حره بنهاري وبليلي
حره بمناخيري القطقوطه
أنا حره بخشمي ماهوش خشمك
وما احطش برقع ولا يشمك
ولا احط قزازولا أقفل شيش
عقلي يا هزازكلّك نغاشيش
وأنا حره أعيش
أنا حرّه وأموت فى الحرية
ومزاجي أعمل سحلـيّـه
أنا ابقى سحليه وسيمه
ويجيني برص بتاع سيما
وبتاع مزيكا وترا لملمو
اتاوي في حضنه وأنا باحلم
ويقول لي ابتسمي يا بسيمه
وافرحي بالميه وبالخضره
ماتحطيش احمر ولا بودره
ولا احط قزازولا أقفل شيش
عقلي يا هزازكلّك نغاشيش
وأنا حره أعيش
أنا حرّه وأموت في الحريّه
ومزاجي أعمل سحلـيّـه
سحليه وحبايبي سحالي
أنا حره بحالي ومحتالي
حرة أصحصح والا أسخسخ
والا أغني وقلبي يشخشخ
أبواب الدنيا فاتحه لي
ما اقعدشي في الأوده لوحدي
وما احطش إيدي على خدي
ولا احط قزازولا أقفل شيش
عقلي يا هزازكلّك نغاشيش
وأنا حره أعيش أنا عاوزه أعيش
أنا بدي أعيش أنا نفسي أعيش
على كيف كيفي
"فؤاد حداد
(– قصيدة "ذي سحالي من ديوان "رقص ومغنى" ضمن ديوان "أشعار فؤاد حداد" (أو الدواوين الخمسة)