Wednesday, December 31, 2008

وسيم صلاح حسين...الطفل الكبير..وداعا


نحن الذين يموت أفضلنا ليحيا الآخرون بلا دموع

تبدأ روايتنا الحزينة بالاختفاء الغامض لوسيم فى بلد الثلج موسكو, حيث كان يعيش مع زوجته وأبنائه, وذلك فى أوائل شهر يونيو 2008, وبعد رحلة بحث مضنية لشقيقه ناجى عنه فى المشافى وأقسام الشرطة دون جدوى,أبلغ والدته وحينما علمت أمهما المناضلة شاهندة مقلد أسرعت بالسفر الى موسكو بحثا عن إبنها, ولكنها بعد رحلة بحث شاقة عادت الى مصر بخفى حنين।
فى شهر نوفمبر, أى بعد 5 شهور من اختفاء وسيم يرسل 50 من المثقفين وقادة الأحزاب وممثلى القوى السياسية المصرية برقيات الى رئيس وزراء مصر ورئيس وزراء الاتحاد الروسى بنداء بسرعة الكشف عن مصير المفقود.
وفى 25/12/2008 يتم العثور على جثة وسيم صلاح حسين فى مكان مهجور وبها إصابة بالرأس.

النيل عطشان يا صبايا
للحب وللحنين
والشط لا ناى ولا نسمة
ولا نور ولا عود ياسمين
يا شاهندة وخبرينا
يام الصوت الحزين
يام العيون جناين
يرمح فيها الهجين
ايش لون سجن القناطر
وايش لون السجانين

البداية

تبدأ رحلة شاهندة عبد الحميد شوقى مقلد منذ ولادتها لأب يعمل فى سلك البوليس متنقلا بين أقسام البوليس فى مصر, حاملا معه أبناؤه مدحت وعلى وكامل وشاهنده وشادية, مع إرتباطه الشديد بمسقط رأسه قرية كمشيش مركز تلا منوفية, منحازا إلى الفلاحين الفقراء, مدافعا عن حقهم فى التخلص من سيطرة وإستغلال عائلة الفقى الإقطاعية, باثا فى أبنائه روح الوطنية والثورة على الظلم।
ترتبط شاهندة روحيا فى وقت مبكر بإبن عمتها الشهيد صلاح حسين المناضل فى صفوف الحركة الوطنية فى القنال, وإن كانت شاهندة تفتح وعيها قبله على الفكر الإشتراكى من خلال معلمتها وداد مترى والتى كانت تنتمى الى تنظيم حدتو.
تقرر شاهندة الزواج من إبن عمتها, رغم معارضة الوالد والذى كان يتمنى لها زوجا أفضل, وتهرب اليه بالإسكندرية ليتم عقد قرانهما هناك, ليعيشا معا فى شقة متواضعة بحى الإبراهيمية, ويستمرا فى النضال أو المشاغبة كما ذكر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين فى مقال له فى مجلة المصور فى هذه الأيام بعنوان(مشاغب ومشاغبة), وتنجب من الشهيد صلاح حسين أبناءهما ناجى ووسيم وبسمة, ليعيشوا جميعا فى هذه الشقة ومعهم فيما بعد الأم راقية السيدة العجوز التى كانت فى خدمة والدها, التى رعتها شاهندة حتى بعد فقدها لبصرها, وحين تموت تصمم شاهندة على دفنها فى كمشيش واقامة جنازة لها هناك.

كمشيش بتنفض من ترابها الموت

الدم ناشع، م الجدور للصوت

«الأرض أرض الفلاحين

ولا حد قد الفلاحين


حينما إغتالت يد الغدر والإرهاب الإقطاعية صلاح حسين فى 30 ابريل 1966 بيد قاتل مأجور بعد فشلهم فى الحد من تحريضه للفلاحين وتنظيمهم دفاعا عن أرضهم فى مواجهة الإقطاع, ليكمل درب شهداء الفلاحين الذين سبقوه ومنهم أبو زيد أبو رواش وعبد الحميد عنتر وآخرين, حينها كان أكبر أطفالهما ناجى عمره 7 سنوات, والمرحوم وسيم 4 سنوات وبسمة التى لم تتجاوز الأربعين يوما, هبت شاهندة كعادتها فى المحن لتقود ثورة فى وجه الظالمين والطغاة مصممة على دفنه فى جنازة تليق بالبطل الشهيد فى كمشيش, متقدمة صفوف الفلاحين, حاملة معهم النعش.
فى تلك الأوقات كان يرن فى أذنها (كما ذكرت فى قناة الجزيرة) ذلك النشيد الذى كان يردده الشهيد مع صديق عمره المناضل اليسارى وسيم خالد, والذى سمّى وسيم على إسمه, وكانت كلمات النشيد تقول:
سلاماً نقدمه في فخار.. جنود الكفاح لأبطاله.. إلى أكتوبر والثوار.. إلى يوم مايو وعماله.. لكل شجاع إلى الانتصار.. مضى في ثبات إلى حتفه.. على قبركم في مهب الرياح.. حمراء تخفق رايتنا.. تحيي رفاقا خاضوا الكفاح وماتوا ليحيا بهم حقنا.
لم تغلق شاهندة على نفسها باب شقتها وتتفرغ لتربية أولادها, وهوعبء كبير, ولكنها إستمرت بشجاعة فى قيادة فلاحى كمشيش وتنظيمهم وتنمية وعيهم, وخصوصا فى مرحلة إبعادهم عن أرضهم وديارهم فى كمشيش فى 14/6/1971, وهم عاشور وعبد المجيد وعلى عزام وغيرهم كثيرين, إحتضنتهم فى الأسكندرية, ووفرت لهم سكنا
من جيبها الخاص رغم ضيق الحال, وإستأجرت لهم معلمين ليعلموهم القراءة والكتابة, ووفرت لهم الكتب, على حساب قوت يومها وأولادها।
وسيم
كان المرحوم وسيم دائم الإبتسام, رغم مسحة الحزن الغائرة فى عينيه, قيل أنه بعد إستشهاد والده وكان عمره 4 سنوات كان يقف طويلا فى البلكونة فى إنتظار عودة والده, كان يعيش مع والدته فى جو متوتر دائما, أذكر مرة أن رجال المباحث عندما جاؤا للقبض عليها لم ينتظروا حتى يفتح لهم الباب بل اقتلعوه عنوة بعتلة, وكانت أمهم تغيب عنهم فترات طويلة, إما فى السجن أو هربا من البوليس, كانوا أطفالا صغارا خصوصا بسمة التى كانت فى سنواتها الأولى, ولكن كانت هذه الضريبة التى يدفعها الأبناء, لأباء إختاروا النضال السياسى فى مجتمعاتنا।
كأن القدر إختار لشاهندة مقلد أن تقضى حياتها فى إحصاء القتلى والشهداء, والدها وأخوها أشرف الذى إستشهد فى حرب الإستنزاف, وزوجها الشهيد صلاح حسين وأخوه الذى استشهد فى حرب اليمن, وفى نهاية الطابور تأتى النهاية المأساوية لفلذة كبدها, الأبن البار الشهيد وسيم صلاح حسين.

وداعا أيها الشهيد الغالى, ولا أعرف ماذا أقول لك يا شاهندة.

Tuesday, December 02, 2008

الحب فى زمن الكوليرا


تصادف أن دعانى أحد الأصدقاء, أثناء اجازة سريعة بالأسكندرية, لمشاهدة عرض شريط "الحب فى زمن الكوليرا"المأخوذة عن رائعة الكولومبى"جابرييل جارثيا ماركيز"والحاصل على جائزة نوبل.
بداية فأنا لم أقرأ الرواية, ولم أقرأ للمؤلف سوى رواية "مائة عام من العزلة", وعلى كل حال سوف أكتب بإختصار عن الفيلم فقط, والذى يتناول قصة حبيبين من مرحلة المراهقة والحب المجرد "النظرى", الى سن السبعين حين التقيا مرة أخرى.
إذن هى قصة الحب الخالدة بين"فلورينتو أريثا" عامل التلغراف البسيط, وفيرمينا أديثا" إبنة تاجر البغال الثرى, والتى يراها أثناء تسليم برقية الى أبوها, لتتعلق بها روحه من أول نظرة, كصاعقة من السماء أصابته, ليظل ممسكا بهذه اللحظة بقية عمره.
يبدأ فى كتابة سلسلة من الرسائل لها, وبعد تردد تكتب له, فى تتابع طويل من السرد يصيب ببعض الملل, وعندما يعطيان لبعضهما وعدا أن يكونا معا الى الأبد, فى جو رومانسى خالص, يتم طردها من المدرسة الدينية التى تدرس بها لضبطها وهى تكتب له رسالة, فيأتى أبوها كالثور الهائج, مصمما على رفض هذا الزواج بعامل التلغراف, لأنه يأمل بعريس من طبقة إجتماعية مميزة, ويعلن هذا الرفض صريحا لفلورينتو, وينتزعها من المدينة ويرحل بها بعيدا.
تستمر فيرمينا فى مراسلة حبيبها عن طريق التلغراف, ويظل الحبيب يحلم برؤيتها, وبعد عودتها بعد عامين تلتقى به فى أحد الأسواق لتكتشف أن حبها له لم يكن الا مجرد وهم, فتقرر إنهاء الموضوع والموافقة على الزواج من الطبيب الذى أعجب بها عندما إستدعاه أبوها للكشف عليها حين أشتبه فى إصابتها بالكوليرا.
بعد الزواج تعيش فرمينا حياة عادية لا تخلو من بعض المنغصات, لكنها تطوف العالم مع زوجها, وتندمج فى الحياة الإجتماعية, وتنجب, وتكاد تنسى حبها الأول, بينما فلورينتينو يغرق فى ملذات جنسية عابرة, ولكنه يعيش فى إنتظار اليوم الذى يموت فيه زوجها, ويعرف نبأ وفاته بعد 52 عاما من زواجها, فيقرر الإسراع الى الجنازة, ثم الى منزل حبيبته عارضا عليها حبه, فتطرده بقسوة, ولكنه لا ييأس, ويعاود الكرّة أكثر من مرّة حتى يفوز بقلبها, لينتهى الفيلم.
يبدأ الفيلم بمشهد الجنازة, بينما فلورينتينو يستمتع بلحظات حب مع فتاة مراهقة صغيرة, ليسمع صوت أجراس الكنيسة معلنة وفاة الزوج, ثم يعود المخرج على طريقة الفلاش باك ليحكى لنا قصة الفيلم.
والفيلم رغم عبقريته, وإجادة الممثلين لأدوارهم, الا أنه تعيبه بعض السقطات التى أعتقد أنها ربما بسبب الإخراج أو السيناريو وليست الرواية والتى أستبعد أن يكون ماركيز قد إقترفها.
فالفيلم لا يرصد البيئة الإجتماعية أو السياسية للواقع الذى يدور فيه, رغم تسجيله لحوالى نصف قرن من الزمان, فإنه يدور فى أغلبه مصورا الطبقة الأرستقراطية للفتاة وأبيها وزوجها, حتى حين تتوجه الكاميرا لتصوير الشاب المحب عامل التلغراف نرى المخرج يهتم أكثر بأصوله الغنية وميراثه من أبيه, وحتى وباء الكوليرا ظهر فى الفيلم كديكور خارجى, يمكن التفرج عليه من باخرة عابرة وليس كجزء رئيسى من العمل الدرامى, وتلك الحرب التى لانعرف بين من تدور ولا ما هو الهدف منها.
ورغم أن الفيلم يبدو كملحمة طويلة تتجاوز عدة أجيال مثل "السيرة الهلالية", الا أنها تركز أكثر على البطل ومغامراته فى عالم النساء, كما أن المشاهد الرومانسية فى الفيلم تذكرنى برواية "روميو وجولييت" لشكسبير, بما فى ذلك مشهد القيثارة, كما يذكرنى كتابته لرسائل العشاق برواية الشاعر أو "سيرانو دى برجراك".
أحزننى فى الفيلم نظرته الى المرأة وعدم تقديره لها, فالمرأة من خلال كاميرا المخرج فى الأغلب غريزية وسهل أن تخون, أو بتعبير البطل سهل إصطيادها, حتى تلك الحديثة الزواج أمكن له أن يوقعها فى شباكه بسهولة.
كما استطاع المخرج ربما بقصد أو بغير قصد أن يرسم بوضوح صورة البطل فى علاقاته النسائية الوضيعة, وموقفه النفسى والإنسانى من ضحاياه, فلا يهمه من حادث قتل الزوجة التى ضاجعها الا أن إسمه لم يرد فى التحقيق, ويبدى عدم الإكتراث كثيرا لإنتحار تلك المراهقة الصغيرة التى هو الوصى عليها, أو بمثابة والدها, والذى أقام علاقة جنسية معها, وإنتحارها بعد هجرانها لها ودعوتها للسفر الى أمريكا لإستكمال دراستها.
كنت أتمنى لو إنتهى الفيلم بمشهد رفض "فيرمينا" لعرض الزواج من"فلورنتينو" بعد وفاة زوجها, ولكن وبإسلوب مخرجينا فى وضع النهايات السعيدة, تم الإصرار على الإطالة الغير مبررة, والتى لا تخدم الهدف الدرامى للفيلم.
على أن أهم ما شدنى فى هذا الفيلم هو ذلك الدور العظيم للممثلة الرائعة التى قامت بدور أم فلورينتو.
ختاما فالأعمال الروائية العظيمة عادة ما يصعب ترجمتها دراميا الى الشاشة البيضاء, لقد عانى من ذلك أديبنا الراحل, الحائز على جائزة نوبل أيضا"نجيب محفوظ", مما دعاه أن يتبرأ من الأفلام المأخوذة عن رواياته, أرجو أن يكون هذا ماحدث مع أديبنا العظيم"ماركيز", لا أستطيع أن أجزم لأننى لم أقرأ الرواية
.

Monday, December 01, 2008

شخصيات من السجن



سمير محمدين

كان ذلك فى شتاء عام 1975 والأسفلت يبعث برودة قارسة فى الأجسام الغضة, والبرش المصنوع من جدائل الخوص يرسم علاماته بكامل التفصيلات, ليبدو الجسم مطبوعا بنقشه بدقة, وجردل البول يعّبق الزنزانة الضيقة, ولسعات القمل ذى اللون الأبيض تصيب الجلد بحساسية مستمرة.
هذا جزء من مشهد كافكاوى للسجن فى بلدى, ومجمل الصورة أكثر مرارة, يخفف من المشهد أحيانا أن تكون فى زنزانة جماعية, وأحيانا يزيد ذلك المشهد تعقيدا, يعتمد ذلك فى الغالب على من معك, ينطبق على ذلك مقولة "سارتر" ( الجحيم هو الآخرين ), فى هذه الظروف تعرفت عليه.
أسمر, طويل, له شارب دوجلاس صغير, يهتم دائما بمظهره, بدلة السجن الزرقاء دائما نظيفة ومهندمة, الحذاء نظيف, أسنانه بيضاء لامعة, شعره ممشط, يمشى بخطوات واثقه, ويحمل علبة السجائر البلمونت الصغيرة دائما فى جيبه.
كان يملك حساسية عالية, وإسلوب مميز فى التعامل مع البشر, إقترب منى وئيدا وعلى مراحل, وكأنما ينسج تفاصيل علاقة من نوع خاص, فى اللحظة المناسبة وبينما نجلس فى حوش الكانتين الضيق, إقترب منى محييا مادا يده بعلبة السجائر, تناولت واحدة شاكرا, أشعل سيجارته وإنتحينا جانبا, ودار بيننا حوار طويل.
مع مرور الوقت كنا نحرص على اللقاء أثناء فترة الفسحة, وإتسعت أطراف الحديث ليحكى لى قصته.
هو يحمل شهادة متوسطة, فى حوالى الخامسة والثلاثين, الإبن الأكبر لخمس بنات, أبوه يعمل صف ضابط فى البوليس برتبة متواضعة, أخته الكبرى"سناء" حاصلة على دبلوم تجارة متوسطة وتعمل فى الحى, ولدوا جميعا وعاشوا فى مدينة"بور سعيد" حتى العام 1968, كانت حياة متقشفة لكن هادئة, حتى اضطروا مثل الملايين من سكان مدن القناة الى التهجير الى مختلف المدن المصرية, فى أكبر هجرة جماعية شهدتها مصر فى تاريخها الطويل.
كانت محطتهم فى إحدى المدارس بالأسكندرية, فى حى باكوس الشعبى المزدحم, تكدسوا جميعا فى أحد فصول المدرسة, تشاركهم عائلات أخرى كثيرة فى باقى الفصول, حياة جديدة عليهم, الأصوات العالية والضجة لا تنتهى, طقوس الإذدحام والحاجة تؤدى الى مشاكل مستمرة وخناقات, توجدعلاقات كثيرة غير مشروعة, ومشاريع حب مجهضة.
تم تسليمه عملا بالتليفونات, وعمل أبوه بقسم سيدى جابر, وأخته"سناء" بحى شرق, باقى البنات التحقوا بمدارس قريبة, وإستمرت الحياة بصعوبة, والأم تحاول تدبير الحياة الجديدة بمشقة, تحاول هذه السيدة أن تسد الأفواه المفتوحة بأى وسيلة, مداعبات البنات مع أمهن لا تنقطع, يذكر لى "سمير" أنهم لم يكونوا يأكلون اللحم الا فى المناسبات, كانوا فى أغلب الأيام يفطرون جبنا بالزيت مع الخبز والشاى, وتتكر الوجبة فى الغذاء, وفى المساء عندما تعجز الأم عن ماذا يؤكلون, تبتسم البنات فى خبث ( وحشتنا الجبنة أم زيت ياماما).
هروبا من المكان الضيق والمزدحم, تعّود سمير الجلوس على مقهى فى "كامب شيزار", تعرف هناك على بعض الشباب كان منهم " سيد" و"سلامة", وبدأ تفكيره يتجه الى عمل ضربة كبيرة تخرجهم من الفقر, وجهه هذا التفكير الى بيت الخواجة "أنطونيو", الساكن فى عمارة كبيرة وقديمة فى الإبراهيمية, حيث قد كان زاره سابقا لإصلاح التليفون, ولاحظ أنه يقيم وحده, وعندما أراد الخواجة أن يعطيه بقشيشا دخل الى غرفة النوم وبقى فيها طويلا قبل أن يحضر النقود.
بعد إتخاذ قرار العملية, قرر أن يعترف للأسرة, جمعهم بعد العشاء, وحكى لهم القصة, وأعلن لهم قراره بسرقة الخواجة, إعترضوا فى البداية, ولكنه أقنعهم أنه لا حل من الخروج من أزمتهم إلا من خلال هذه العملية المضمونة, ضمن موافقتهم, إنطلق الى القهوة, وإختلى برفاقه فى أحد الأركان, ورتب معهم دور كل واحد منهم.
كانت الخطة أن يلبس سمير ملابس ظابط, وينتحل الأخريان صفة مخبرين, وبعد دخول البيت يأخذون المال فقط ويهربون, ويقوم سمير بإخفاء المبلغ لحين تقسيمه, ذكر لى سمير أن أبوه قام بتأمين المنطقة ليلة الحادث, وبعد إتمام العملية قاموا بتقييد الضحية, بعد تكميم فمه.
قام سمير بعد ذلك بإبلاغ الشرطة (حسب قوله) حفاظا على حياة العجوز, وإحتفظ فى البيت بمبلغ مائة جنيه, وتم إخفاء الباقى, وإنتظر حتى تهدأ الأمور, ولكن الآخرين ما كانوا لينتظرون.
سرعان ما إكتشف البوليس خيوط الجريمة نتيجة ثرثرة أحد المشتركين, حاصرت الشرطة المكان الذى يقيم به, أحس بهم سمير, أطفاء نور الغرفة ونظر من خلال الشيش, تأكد أنهم أوقعوا به, أخبر أمه وأخواته البنات وطلب منهم التماسك, صوت أقدامهم الثقيلة تصعد السلم الداخلى للمدرسة, خبطات قوية على الباب, طلب من البنات التوارى وفتح لهم.
كانو أربعة على رأسهم ضابط مباحث القسم, وكلهم مسلحين, كانوا عنيفين فى تحركهم, وضعوا سمير قبالة الحائط رافعا يديه, وقلبوا كل شيئ, كانت الأم واقفة فى وسط الغرفة, تحاول أن تمنع نفسها عن البكاء أو الصراخ, طلب الضابط من سمير أن يستدير, أخبره ا، يعترف أين أخفى النقود فى هدوء, وإلا ستسوء العواقب, نظر سمير فى عيني أمه, ذكر لى سمير أنه فى هذه اللحظة قرر الإعتراف, أخبرنى لو أن الضابط ضربها قلما لإنهارهو وإعترف, والعكس أيضا لو ضربه قلما لإنهارت هى.
طلب من النقيب " أدم" إعطاؤه كلمة شرف, أنه إذا إعترف له بالحقيقة ألا يزج بأحد من أفراد أسرته فى القضية.
بعد أن أعطاه الضابط كلمة الشرف, أخبره أن المبلغ قد أخفته "سناء" أخته بالخزينة فى الحى, وهى فقط التى معها المفتاح, كان موقفا صعبا, قام الضابط بعدة إتصالات بالاسلكى, ثم طلب منه وأخته إصطحابه الى الحى, وبعد أن إستلم النقود, ناقصة المائة جنيه,أخذ معه سميرإلى القسم, ولم يرد إسم أخته فى جميع محاضر التحقيق.
وقفت الأسرة خلف سمير طول الوقت, معتبرين أنه ضحى بنفسه من أجلهم, وتلك هى الحقيقة نسبيا, حكم عليه بعشر سنوات لإتهامه بالسرقة بالإكراه, وإنتحال شخصية ضابط بوليس.
توثقت بيننا العلاقة, كان يواصل دراسته بكلية الحقوق, كانت أسرته تزوره بإنتظام, ويتركون له نقودا دائما فى حساب الكانتين, وبدأت فى الإندماج معه وبعض الجنائيين أصدقاؤه, وكان معظمهم منتسبين للكليات النظرية, منهم "عبد العزيز الناحل" و"عبد الفتاح عواد" و"رمزى الفلسطينى" وآخرين.
بعد أن قررت القيادة السياسية الإفراج عن مجموعتنا, وفى الليلة الأخيرة لى معه فى السجن, قرر ومجموعة من زملائه توديعى بإحتفالية, تم رشوة الحرس للسماح لى بأن أقضى الليلة معهم, كانوا قد أعدوا عشاءا فخما, أحضرته أسرته خصيصا حسب طلبه, مع قطعة من الحشيش وزجاجة خمر هربها رمزى عن طريق "البوسطة" (وهى طريقة للتهريب عبر السور عن طريق حبل طويل يقذف به بشدة), ورغم عدم تعلقى بالخمر أو الحشيش فقد تناولته معهم مجاملة.
أثناء وداعنا فى الصباح, طلب منى سمير أن أفتح الراديو على إذاعة الأسكندرية فى يوم وساعة محددين بعد حوالى إسبوع, وعند سماعى للراديو كانت المذيعة تعلن إهداء الأغنية التالية من سمير والزملاء بالسجن إليّ