Thursday, December 31, 2009

أقـزام طـوال


أيُّها الناس قفا نضحك على هذا المآل
رأسًنا ضاع فلم نحزن ..
ولكنّا غرقنا في الجدال
عند فقدان النعال!
لا تلوموا
" نصف شبر" عن صراط الصف مال
فعلى آثاره يلهث أقزام طوال
كلهم في ساعة الشدّة .. ( آباءُ ر غال!
لا تلوموه
فكل الصف أمسى خارج الصف
وكل العنتريات قصور من رمال.
لا تلوموه
فما كان فدائياً .. بإحراج الإذاعات
وما باع الخيال .. في دكاكين النضال
هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال
ومن الخير استقال
هو إبليس فلا تندهشوا
لو أن إبليس تمادى في الضلال
نحن بالدهشة أولى من سوانا
فدمانا
صبغت راية فرعون
وموسى فلق البحر بأشلاء العيال
ولدى فرعون قد حط الرحال
ثم ألقى الآية الكبرى
يداً بيضاء.. من ذُلِّ السؤالْ!
أفلح السحر
فها نحن بيافا نزرع "القات"
ومن صنعاء نجني البرتقال!
* * *
أيها الناس
لماذا نهدر الأنفاس في قيلٍ وقالْ؟
نحن في أوطاننا أسرى على أية حال
يستوي الكبش لدينا والغزال
فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال
تحت نير الاحتلال
من حدود المسجد الأقصى .. إلى )البيت الحلال(!
* * *
لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال
وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبالْ.
و يمينيون .. أصحاب شمالْ
يتبارون بفنِّ الاحتيالْ
كلهم سوف يقولون له : بعداً
ولكن .. بعد أن يبرد فينا الانفعال
سيقولون: تعال
وكفى الله "السلاطين" القتال!
إنّني لا أعلم الغيب
ولكن .. صدّقوني :
ذلك الطربوش .. من ذاك العقال
شعر: أحمد مطر!

Friday, December 18, 2009

اليه فى يوم ذكراه ....... زكى مراد...فارس ليس من هذا الزمان


فين تاريخك يا زكي

يا مرادي ومطلبى

لما تبقى الضلمه نور

ابنوا للاحــــلام جسور

وارموا فى الارض الجدور

تطرح الاشجار زهور

يرتفع فــــرع الزتون

وطنى جوه فى العيون

هو دينى ومذهبى

الشاعرة هدى توفيق

فى مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاما رحل عن عالمنا فارس نبيل قلّ أن يجود الزمان بمثله، هو المناضل والشاعر الثورى إبن النوبة "زكى مراد"، تاركا ورائه إرثا نضاليا من العمل الثورى فى حياته القصيرة الملتهبة عشقا وذوبانا فى هذا الوطن.
هو إبن قرية إبريم ببلاد النوبه القديمة التى أخرجت عشرات المناضلين والثوّأر، ولد فى الأول من شهر سبتمبر لعام 1927، إبن عمدة هذه القرية " محمد ابراهيم أحمد" الذى أطلق على إبنه إسما مركّبا "زكى مراد" تيمنا بسميه الملحن والمطرب اليهودى والد الفنانة "ليلى مراد" والذى كان يعشقه.
غادر القرية صغيرا وعمره 15 عاما ليلتحق بالدراسة فى مدرسة حلوان الثانوية بالقاهرة، وليقيم فى حجرة فى أرض شريف مع إبن عمه والروائى محمد خليل قاسم صاحب الشمندورة، حيث كانت الحرب العالمية الثانية فى نهاياتها 1943 وكانت مصر فى أتون صراعها ضد المحتل الإنجليزى والقصر الملكى والطبقات المستغلة، ليتفتح وعيه الثورى سريعا، وينضم لحركة الطلاب عام 1946 فى بداية إلتحاقة بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقا ).
شارك فى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التى قادت الحركة الوطنية رافعا شعار الحرية والخبز، ليتم إعتقاله للمرة الأولى عام 1946 بسبب عضويته فى تلك اللجنة، وفى نفس العام يعاد إعتقاله مرّة ثانية بتهمة مناهضة السلطة الملكية، ليعرف طريق السجن والإعتقالات طوال حياته.
فى المرة الثالثة تم إعتقاله عام 1949 بتهمة الإنضمام لتنظيم شيوعى حيث إنضم لمنظمة حدتو(الحركة الديوقراطية للتحرر الوطنى)، وكانت بمثابة أكبر المنظمات الماركسية فى ذلك الوقت وأكثرها فاعلية، كما كان الفقيد نشطا أيضا فى منظمة حستو (الحركة السودانية للتحرر الوطنى) حيث شارك فى تأسيسها مع كثير من الرفاق السودانيين أمثال "عبد الخالق محجوب" و"الشفيع أحمد الشيخ".
أما حبسته الكبرى فقد إمتدت من العام 1953 ولم تنتهى الآّ بعد 11 عاما، مع خروج الشيوعيون من معتقل الواحات قبيل زيارة الزعيم السوفيتى "نيكيتا خروشوف" لمصر عام 1964، تلك الحبسة الطويلة التى كانت عقابا له على موقفه من النظام الناصرى الدكتاتورى، والتى شهدت أبشع أنواع التعذيب للشيوعيين ليسقط منهم العديد من الشهداء أمثال شهدى عطية ولويس إسحق وسليم حداد وغيرهم، كما تكرر إعتقاله أكثر من مرة إبان حكم الرئيس السادات بتهم عديدة منها محاولة قلب نظام الحكم ورفض اتفاقية كامب دافيد والصلح مع اسرائيل.
فى نظرى أن أهم ما قام به المناضل الثورى زكى مراد هو إعادة تأسيسه مع مجموعة من رفاقه وعلى رأسهم الراحل نبيل الهلالى للحزب الشيوعى المصرى فى الأول من مايو (أيار) عام 1975 حيث تبوأ منصب السكرتير العام للحزب حتى وفاته.
إلتقيت الشهيد لأول مرة فى النادى السودانى بالأسكندرية حوالى العام 1973، حيث أقيمت ندوة حول العلاقات المصرية السودانية، يومها القى محاضرة ثرية تعرض فيها لتاريخ العلاقات النضالية بين الشعبين، ذاكرا أن فى أربعينيات القرن كانت البرجوازية المصرية ترفع شعار وحدة وادى النيل تحت التاج الملكى و كان الشيوعيون يرفعون شعار النضال المشترك ضد العدو المشترك.بعد ذلك بحوالى عامين تعرفت به شخصيا فى بيت المناضلة شاهندة مقلد بالإبراهيمية حيث كان يقيم بالأسكندرية صيفا مع أسرته فى شقة صغيرة بكامب شيزار، والتقيت فيما بعد مع زوجته ورفيقة نضاله وكاتمة أسراره المناضلة فتحية سيد أحمد إبنة خالته وأم أولاده، وعلى الطفلين صفاء وصلاح.
كان مليح الوجه، بشوشا دائم الإبتسام، لكنه حين يغضب من أجل القضية كان يظهر ذلك على كامل وجهه، ودودا يدخل الى القلب سريعا، يتباسط فى الحديث فى تواضع أصيل، صبورا وذو نَفَس طويل فى المناقشة، خاصة مع الشباب الصغير السن والتجربة، حيث كان يتناقش معنا لساعات دون كلل، مظهرا فهما عميقا للنظرية.
كانت رحلته مع العمل بالمحاماة قصيرة، لكنه تألق كثيرا مع صديق عمره نبيل الهلالى دفاعا عن الطلبة والعمال والسياسين بمختلف مشاربهم، وظل بيته فى المنيرة قبلة للجميع، لايتأخر عن أى محتاج أو مظلوم، يقيم الحفلات ليغنى فيها الشيخ إمام ومحمد حمام والسودانى محمد وردى، حتى محمد منير عرف طريقه الى الشهرة من هذا البيت المتواضع الذى لم يغيره طول حياته القصيرة التى إنقسمت بين أبريم والمنيرة.
كان شاعرا حماسيا، قال الشعر فى مناسبات كثيرة، منها وفاة القائد "يوسف صديق" عضو حديتو وبطل الإستيلاء على مقر هيئة الأركان ليلة الثورة، قال فيها:
“ما اعتاد جنودك أن تسكت حين ينادون ….
ما اعتاد رفاقك أن تسكت عما يرجون ….
أتشيح بوجهك عنهم؟
أو ترحل في وقت لايقطعه إلا أبطالٌ مثلك؟“
الرحيل:
لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة، وإن كانت المؤامرات موجودة فى كل زمان ومكان، ليلة الرحيل على ما أذكر إلتقى بنا فى شقة أم ناجى ( شاهندة)، وكان الجو ليلتها عاصفا جدا، ذكر لنا أنه مضطر للسفر فجرا الى القاهرة لموعد هام، سأل إن كان أحدنا يرغب فى السفر معه كرفيق طريق، كانت معه سيارة جديدة تغرى بالسرعة، ألححنا عليه أن يؤجل سفره لأن الجو عاصف والطريق خطرة فرفض، حاولنا كثيرا إثناءه لكنه أصّر، لم أره بعدها، حوالى العاشرة صباحاعلمنا بالحادث، كانت جنازته مهيبة من جامع عمر مكرم، كل القوى السياسية شاركت، لأول مرة يهتف المشيعون بحياة الحزب الشيوعى ووحدة الشيوعيون، نجح الشهيد فى تجميع القوى الوطنية كأروع ما يكون فى الجنازة، وستبقى ذكراه نبراسا ينير لنا الطريق، وحافزا للتوحد.
من قصيدة أحمد فؤاد نجم فى رثائه:
حصنت بعقدك صدر الناس

من شر الوسواس الخناس

يابو قلب لا سوسه ولا سواس

ورقيتك يا اسمرواسترقيت

الضم حبابيك بقي ياسمارة

وافتح شبابيبك لقا يا سماره

على جو الشارع والحاره

تحلو زيادة وتملا البيت

يا بلح ابريم يا سماره

Sunday, December 06, 2009

شخصيات من السجن


محمد شعبان
ماذا لو أعطتنا الحياة كل ما نتمناه، أم أنه قانون الصراع الأزلى، منذ انقسم المجتمع الى
سادة وعبيد، من يملكون ويتحكمون، ومن عليهم الطاعة والعيش على هامش الحياة، هو لم يكن كذلك، تمرّد على هذا القانون الأزلى، قرر أن يشارك الأغنياء أموالهم، فاشتغل نشالا।
بدأ رحلته فى سن مبكر، حدد منطقته ترام الرمل، أيام الخواجات، كان الترام تحفة فنية بدرجتيه الأولى والثانية، قبله بزمن كانت عربات سويرس التى ينطقها العامة سوارس ، تمشى على عجلات وتجرها الخيول، بعد دخول الكهرباء تم تشغيل الترام ويتصل بأسلاك الكهرباء عن طريق عصا معلقة فى السقف تسمى سنجة، كان ترام الرمل متميزا، يبدأ من محطة الرمل وينتهى عند محطة فيكتوريا، حيث المدرسة العريقة فيكتوريا كوليج.
إلتقيته فى السجن وهو فى عمر متقدم، ربما تجاوز السبعين، كان يحفظ أغانى أم كلثوم ظهرا عن قلب، يملك أذنا موسيقية وصوتا رخيما، كان يستمتع كثيرا أن نطلب منه أغنية معينة لها، يستخدم أى شيئ ممكن لعمل إيقاع بيديه، وينساب صوته الجميل ليشجينا، كنا نتجاوز بعض الأخطاء فى النطق، هكذا إلتقطتها أذناه، لكنه لا ينشّز أبدا.
بين وصلات الغناء حكى لى قصته، ولد يتيما، رباه عمع الذى تزوج أمه، كان قاسيا عليه، ترك البيت مبكرا وانطلق الى معترك الحياة وحيدا، إلتقطه عالم الإجرام، عانى من قسوة المجتمع عليه، ومن ظروف الحياة القاسية، لم تتح له فرصة تعلم القراءة والكتابة، عمل بالمثل القائل" إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب"، تعلم النشل فى وسائل المواصلات الى أن إستقر به المقام فى ترام الرمل.
يروى لى قصة عن أحد الخوجات ركب وراءه الدرجة الأولى فى الترام، كانت محفظته عامرة، شاهدها بنفسة أثناء دفعه لثمن التذكرة، كان الخواجة حريصا، دسّ المحفظة فى جيبه ووضع يده عليها، لم يجد طريقة للوصول اليها، لاحظ ركوب زميل له فى المهنة، تبادل معه بعض العبارات الهامسة بلغة غير مفهومة الاّ لهم، تدخّل زميله وأسقط القبعة من رأس الخواجة، فى لحظة كانت المحفظة فى يده.
كسب أموالا كثيرة أنفقها جميعا، عرف طريق الكباريهات وتعرف على معظم الراقصات بها، عاش حياته بالعرض، لايعرف متى أحب صوت أم كلثوم، لكنه تعلق بها، لم يفوّت حفلة شهرية لها فى سينما الهمبرا، كان يتعمد الجلوس فى الصفوف الأولى، يحاول أن يلفت نظرها فى كل حفلة، كان يتمنى أن يتعرف عليها، حسب روايته إقترب منها بعد الوصلة الأولى وفى يده باقة ورد، أثناء إنشغالها بأخذ الورد منه نشل البروش الماس من على صدرها، فى نهاية الحفل ردّه اليها، وكان أن عرفته.
يذكر أنه كان مطلوبا دائما، فى إحدى الحفلات وبعد أن فتح الستار، أم كلثوم جالسة على الكرسى فى وسط المسرح، والفرقة الموسيقية تبدأ العزف، كان جالسا فى الصف الثانى، من آخر الصالة دخل ضابط مباحث، سار فى الممر الطويل دون أن يحدث جلبة، حتى وصل الصف الثانى، وضع يده على كتفه وأشار اليه أن يتبعه، تجاهله فى المرّة الأولى والثانية، فى الثالثة تعمد رفع صوته ناظرا الى أم كلثوم، أشارت للفرقة أن تتوقف عن العزف، وقفت لتسأل الضابط ماذا يريد، برد مهذب أفهمها أن هذا الشخص مطلوب للبوليس، أشارت بيدها بطريقة حازمة الى الضابط قائلة: إتفضل يا فندى محدّش يدخل حفلتى بالطريقة دىمهما كان السبب، إضطّر الضابط للخروج ولكن الى حين، بين الوصلتين خرج من باب جانبى، إعتلى سور السينما، هبط فى الشارع الخلفى، وجد موتوسكل واقفا، أسرع بالهروب.
تعودت على اللقاء به والعطف عليه، عرفت أنه تصله مساعدة شهرية من أم كلثوم، أعلن عن الإفراج عن مجموعة بمناسبة المولد النبوى وكان إسمه بينهم، لم يبد اى شعور بالفرح بل كان حزينا، شاهدته يومها يبكى بحرقة، لا يدرى أين يذهب بعد الخروج، ليس له أحد بالخارج، ليلتها عنبر له المسجونون تحية حب (بعد مساء الخير على غفر الليل..واحد يا ورد..اتنين يا فل... تلاتة يا ياسمين... اربعة يا أحسن ناس معلمين...أحب أعرفكم يا إخوانى إن عم محمد شعبان طالع بكرة إفراج...عاوزين تقولوله أيه...)، نداءات التحية توالت من الزنازين، غنى لنا حتى الصباح بصوت حزين، لكنه أطربنا.