Sunday, June 27, 2010

المخبر ... صناعة مصرية


لا أعرف لهذه الوظيفة مرادفا فى البلاد العربية الأخرى، ولكن "المخبر" فى مصر هو ماركة مسجلة، معروف ببدانته وكرشه البارز، وشاربه الكث، وشفاهه الغليظة الشبقة، والباطو الكالح اللون على كتفيه، والعصا الغليظة فى يده دائما، قد تكون هذه الصورة النمطية قد تغيرت، وقد يكون هناك مخبرون الآن يلبسون التيشيرت والجينز، لكن تبقى صورة المخبر مطبوعة فى أذهاننا بهذا الشكل التقليدى.
لقد أبدع الفنان الكبير" داوود عبد السيد" فى فيلمه "مواطن ومخبر وحرامى" فى رسم شخصية هذا المخبر من خلال الفنان "صلاح عبدالله" الذى جسّد دور المخبر بإقتدار من ناحية الشكل والإسلوب.
أما من ناحية المضمون فشخصية المخبر تتميز بفقدان العواطف، فلا مجال للإنسانيات فى حياته، فهو على إستعداد أن يبّلغ عن أقرب المقربين اليه صدقا أو زورا بمنتهى الحقارة من أجل إرضاء رؤسائه ، هذه الشخصية النادرة التى تلتصق بمن باعوا أنفسهم للشياطين، نفس الشخصية التى جسدها الفنان الراحل "أحمد زكى" فى فيلم "معالى الوزير" وكيف أنه كان يكتب تقارير أمنية ضد زوجته، حيث كنا نسمى هذه النوعية من البشر أثناء الدراسة فى الجامعة بالمباحث، وهو نوع من الناس يتقمصون شخصية المخبر ولكن بشكل غير رسمى حيث يحاولون الظهور بمظهر الثورة والغضب على النظام من أجل النفاذ داخل الجسم الطلابى وكتابة التقارير للأجهزة، هذه النوعية الخسيسة من البشر العديمى الضمير والأخلاق ويشملهم الجواسيس يبقون دائما أقلية بل فرادى، ما عدا المخبرون والذين يقومون بأقذر المهام من مراقبة وتلصص وقبض وتعذيب ليسوا أقلية هامشية فى نظام حكم يهتم بأمنه قبل وبعد أى شيئ، إذ تقدر أعدادهم حسب بعض الإحصائيات بنصف مليون مخبر .
فى الأحياء الشعبية حيث يعيش المخبرين ويتناسلون ويتكاثرون لهم أدوار مختلفة، فهم دائما مدعاة للقللق والخوف من بسطاء الناس، والأذى والشر للباعة وأصحاب الدكاكين فهم بقوة ما يملكونه من ضرر يمثلون إبتزازا دائما للآخرين، ويحصلون على طعامهم وشرابهم ونفقتهم بأبخس الأثمان إن لم يكن سحتا.
قد يخشى الناس وخاصة البسطاء فى حياتهم رجال السلطة عامة، ولكنهم قد لايخافون من المخبرين بنفس الدرجة ولكنهم دائما يخشون غدرهم، ويمتد الخوف منهم الى الخوف من الآخر عادة، لأن المخبر لا يعلن عن نفسه صراحة مثل كثير من ممثلى الجهاز الأمنى، فيمتد هذا الخوف الى كل الآخرين والإنغلاق على النفس، وينشأ ما يعرف بالأغلبية الصامتة التى تخشى التعبير عن رأيها من جهة ولا تؤمن بأن صوتها له قيمة ولن يتم تزويره من جهة أخرى.
تحضرنى هنا قصيدة للشاعر المبدع "أحمد مطر" بعنوان "المخبر" يقول فيها:
عندي كلام رائع لا أستطيع قوله
أخاف أن يزداد طيني بلة
لأن أبجديتي
في رأي حامي عزتي
لا تحتوي غير حروف العلة
فحيث سرت مخبر يلقي علي ظله
يلصق بي كالنملة
يبحث في حقيبتي
يسبح في محبرتي
يطلع لي في الحلم كل ليلة
حتى إذا قبلت يوما طفلتي
أشعر أن الدولة
قد وضعت لي مخبرا في القبلة
يقيس حجم قبلتي
يطبع بصمة لها عن شفتي
يرصد وعي الغفلة
حتى إذا ماقلت يوما جملة
يعلن عن إدانتي، ويطرح الأدلة
لا تسخرو مني ، فحتى القبلة
.تعد في أوطاننا حادثة تمس أمن الدولة
تصوير دقيق للدولة البوليسية، حيث يخشى الجميع من الجميع، ويحسب أى شخص أن خلف الآخر مخبرا، وتنشأ ظواهر سلبية مثل النفاق والتقية، وهو إظهار عكس ما تبطن، وغيرها من السلوكيات التى تؤدى الى تشوه المجتمع.
إن الحل لتفكيك النظام البوليسى لا يمكن وجوده خارج النمط الديموقراطي، حيث تتسع دائرة الدولة المدنية فى مواجهة الدولة الأمنية، وحيث يمكن محاصرة التزوير والفساد والطوارئ والمعتقلات والتعذيب والمحاكم الإستثنائية وإقامة مجتمع حر لمواطن حر، يمكن محاكمته عند الحاجة أمام قاضيه الطبيعى.
ولكن تبقى صورة المخبر بشكله التقليدى صناعة مصرية صرفة.

Friday, June 25, 2010

مظاهرة ضد التعذيب 26يونيو أمام مسجد سيدى جابر بالأسكندرية


يتجمعوا والعشق نار في الدم

نار تحرق الجوع والدموع والهم

نار تشتعل لما القدم تنضم

لما الايادي تفور تلم اللحم

لا خير فيكم إن لم تقولوها





"انتم لديكم الدبابات أما أنا فأملك الأناشيد".

قائد المقاومة اليونانية "ميكيس ثيودراكس



فالبطولة


هي أن تذكر ارضك


هي أن تذكر شعبك


ثم أن تنكر نفسك


حين تفعل اي شيء


شعر : نجيب سرور



Saturday, June 19, 2010

الى روح الشهيد خالد سعيد


عشب الربيع مهما اندهس بالقدم
او انتنى فى الريح
بيشب تانى لفوق
يغنى للخضره وطعم الالم
حبيبتى وإن يسألوكى
قولى مسافر بعيد
رايح يقابل العيد
على قلعة فوق الجبل
واللا فى سجن جديد
فى غرفة ضيقة فى ساحة
الإعدام
يرمى الرصاص واللا
الخلاص
فى خية المشنقة
مشوار بعيد المعنى
عالى الصوت
إذا مارحتوش أموت
وعالمى ينقفل
والشمس تسحب خيوطها وتنسحب فى خجل
وسعيد كل ما قربت المواعيد
وهل فجر جديد
سعيد بكل اللى متألمه
كل الألم فى الدنيا متعلمه
فى زماننا ده ما أخيب اللى
الحزن يفطمه
تعبت أقرا الوجوه بحثا عن
الإنسان
وتعبت أقرا اليفط بحثا عن
العنوان


كل الخرايط ما توضح تبهت
الأوطان
لكن خلاص كتبت اسمى
بومض الرصاص
وفديت عيون الوطن وفديت
عيون الناس

ويا امى إن يسألوكى لا يرتعشلك حضن
ولا تردى بحزن "وتقولى مات فى السجن
"
ساعتها يبقى الحزن بلا موضوع
والسجن بلا موضوع والموت بلا أكفان
وكفايه جربنا سنين الموت بالمجان
والتافهه المتهان آهاننا بالمجموع

فى المحكمه الإيد مست القضبان
فى المحكمه الإيد حست القضبان
الزهر مد رقبته م الأسوار
وقف الحرس إنتباه لتهرب الازهار
آه يا زمان الفجر
لا السجانين مساجين ولا المسجونين سجان
يا قاضى بالله عليك انت بتخدع مين؟
ما كلنا فاهمين تحت الوشاح ددبان
تحت الوشاح مخبر جبان وخسيس
يلمع صولجان الحاكم بدمعه الاوطان
على اجمل الفتيان واشجع الشجعان
تقتل خيوط الفجر بالأجر
ما أوضحك فى الضلمه وش
يا قاتل الشيطان
ما أوضحك فى الضلمه عش يا غابه القضبان

لو جرب السجان نعيم القفص
ما كان فتلك عش م القضبان
والمتهم منشور كإنه العلم وإلا ابتسامته وهيه بترفرف
وتهمته واضحه وضوح الشمس وليها نور يخطف
واقف سعيد راضى يخوف القاضى
وعينه ما هياش للأرض
يا اللى مفهمتش ابتسامه الشهيد إحنا بنفهم بعض
الشهدا احنا مهما نتباعد لا يغنى واحد فينا عن واحد

تحت الهدد فى العالم الموبوء
بيهتف الزاهد ووشه شمس الفقير
وطلعه الرغفان والفجر لما يهب م الوديان
بطل يقول ويطول اسمر
ولا يسابقه القفص فى الطول من غير سؤال بيقر
والقبضه قابضه ع الحديد لا يفر
القاضى يستغبى
والمتهم بيصر
شمس الحقيقه تحر
والمتهم صامد
كل القضاه زايلين
والمتهم .... خالد

عشب الربيع مهما اندهس بالقدم
او انتنى فى الريح
بيشب تانى لفوق
يغنى للخضره وطعم الالم
حبيبتى وإن يسألوكى
قولى مسافر بعيد
رايح يقابل العيد
على قلعة فوق الجبل
واللا فى سجن جديد

شعر : عبد الرحمن الأبنودى

Tuesday, June 15, 2010

على هامش الصراع بين المحامين والقضاة


محكمة

عندما يصرخ الحاجب فى قاعة المحكمة بهذه الكلمة فيجب على الجميع الوقوف فى صمت ورهبة وأدب ولا يستطيع أحد الجلوس حتى يجلس القاضى على منصته العالية ويشير اليهم بالجلوس، كما ان القاضى يمكن ان يومئ الى اىشخص بالقاعة ويطلب من الشرطى ادخاله القفص، وله سلطة ايقاف اى شخص بما فى ذلك المحامين عن الكلام، ويمسك بيده مطرقة خشبية يضرب بها على المنصة بعنف لتنبيه الجميع اذا أحس اى خروج أو همهمة بالقاعة بل أنه قد يأمر بإخلاء القاعة اذا رأى مبررا لذلك.

هذه هى الصورة النمطية للقاضى فى كل بلدان العالم، واللهم لا إعتراض، فهذه بعض حقوق القضاة حتى تحفظ لهم هيبتهم واستقلالهم وتبقى لهم هذه الهالة من القدسية، وتظل الأنظار دائما معلقة بشفاههم لسماع ما ينطقونه من حكم فى القضايا التى تعرض عليهم، وتعلمنا من الصغر أن الحكم عنوان الحقيقة، وأن العدالة عمياء تمسك فى يمينها ميزان العدل، وأن سلطة القضاء مطلقة تحلق وحدها بعيدا عن باقى السلطات فليس لنا نحن العباد مناقشة الأحكام بعد صدورها أو التشكيك فى عدالتها أو حياد القائمين عليها.

ولكن عفوا سيادة القضاة واسمحوا لى أن أتكلم من واقع خبرتى المحدودة كمتهم سابق كثيرا ما وقف أمامكم فى قفص الإتهام فى قضايا سياسية وعرف الفرق بين العدالة والظلم وبين نزاهة القاضى وانحيازه للسلطة فى أحيان كثيرة، وأنا هنا أتكلم عن القاضى الطبيعى وليس الذى فى المحاكم الإستثنائية فهى من إسمها تدل على تجاوزها للعدالة والحق، ولكن قبل ذلك اريد ان أميز قليلا بين موقفين، موقف النيابة التى يسمونها بالقضاء الواقف، وموقف القضاة أو القضاء الجالس المنوط بهم إصدار الأحكام، أريد أن أقول أن النيابة بجميع درجاتها ابتداءا من معاون فوكيل فرئيس نيابة ثم محامى عام وفى القمة يأتى النائب العام جميعهم بلا إستثناء منحازون للسلطة ويقومون بدور مكمل لدور المباحث العامة أو مباحث أمن الدولة، والعلاقة بينهم متكاملة ومتناغمة، هذا ما شاهدناه فى جميع القضايا السياسية التى اتهمنا فيها، وفى حالات كثيرة كانت النيابة تجرى تحقيقاتها فى مبنى المباحث او فى السجن بالمخالفة للقانون، وعادة ما تعتمد فى قرار اتهامها على معلومات مضللة وناقصة وتحريات مفبركة تقدم اليهم من الأجهزة الأمنية.

أما القضاء الجالس وبرغم محاولاتنا المستمرة لتنزيهه والإشادة المستمرة بعدالته وحيدته، وكأننا نحاول دائما أن نحافظ على صورته فى أذهاننا ناصعة البياض، وأن نعتبره السد العالى و الحصن الواقى فى مواجهة تغول السلطة، ولكنه للأسف فإنه غالبا ليس كذلك، إذ أنه ومنذ زمن بعيد وفى ظل نظام دكتاتورى غاشم يتحسس مسدسه كلما سمع كلمة ديموقراطية، ويتحدث عن الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب بتعريفات يضعها من عنده، كان لابد ان تصادر حرية القضاء وإستقلاليته، منذ أن ضرب رجل القانون الدستورى المستشار السنهورى بالحذاء.

لقد عملت سلطة يوليو على التعامل مع جهاز القضاء باستخدام سيف المعز وذهبه، فالذهب يتمثل فى الكادر الخاص والعلاوات والحوافز والإعفاءات من الجمارك والمخالفات ومد سن المعاش وإجازة سنوية ( فاكنس ) لثلاث شهور مدفوعة الأجر، بالإضافة لتخصيص المساكن والمصايف والأندية والقرى السياحية، وتعين أبناؤهم استثناءا فى سلك القضاء، وأما السيف فمعروف من الإحالة للتقاعد للنقل للحرمان من الترقيات والعلاوات وخلافه.

من هنا فثقة التاس البسطاء فى عدالة القضاء ضعيفة، ويتحدثون عن القضايا الكبرى المعروضة فى المحاكم وكيف ستفبرك لصالح السلطات وكبار الرأسماليين، خصوصا ومع تكرار ما ينشر عن قضايا رشوة وفساد بين القضاة، و سطوة وإستغلال للنفوذ، رغم أن كل ذلك لا يجب ان يجعلنا نتعسف فى أحكامنا ولا نرى النصف الآخر من الكوب وهو أن هناك الكثير من القضاة الشرفاء، الشوامخ فى مواقفهم وأحكامهم، وان القضاء هو الأمل الباقى لهذه الأمة لأنه لو انهار فقل على الدنيا السلام.

نعود للمعركة المحتدمة هذه الأيام بين القضاة والمحامين، هى فى الحقيقة معركة قديمة متجددة تتجلى أحيانا فى أشكال من الإحتقان اثر مشادة او تلاسن بين محامى ووكيل نيابة، المشكلة كما تبدو تكمن فى طريقة تعامل وكلاء النيابة مع المحامين بإستعلاء مستغلين فى ذلك سلطتهم واحتمائهم بجهاز الشرطة، مع أنهم ( وربما كان هو السبب ) خريجوا كلية واحدة، وكانوا فوق مقعد دراسة واحد، وفرق المجموع بينهم السبل، فانضم المتفوقون الذين فى معظمهم من الأغنياء الى سلك النيابة فالقضاء، بينما الباقين وهم الآغلبية الساحقة إنضموا لفئة المحامين، وللأسف فالأعداد التى تضخ سنويا من كليات الحقوق من المحامين بالآلاف بما يفيض كثيرا عن حاجة السوق لذا فهم أكثر فئات المجتمع تعرضا للبطالة، تجدهم فى كل مكان يمتهنون مهنا لا تليق بهم أو تعادل تعليمهم، على أبواب المحاكم والشهر العقارى والسجل المدنى، يزاحمون الكتبة والمحضرين فى لقمة عيشهم، بينما يرون زملائهم فى سلك النيابة يتمتعون بحياة معقولة ومصدر دخل ثابت مناسب مما يوغر صدورهم ويؤدى الى كثير من المشادات والإحتكاكات بينهم، فى ظل ظروف اجتماعية واقتصادية متردية وحالة من الإحتقان العام تشمل جميع الطبقات والفئات.

تلك هى المشكلة