Tuesday, June 27, 2006

من اصداء الحركة الطلابية فى السبعينات

الى من رحل فى هدوء
الى روح الصديق المناضل /لطفى نور الدين

تأتى هذه الوداعية متأخرة ربما ثلاثون عاما عن موعدها, لكن لعل الظروف هى التى حكمت بذلك ,ودون الدخول فى التفاصيل دعونا نبدأ .
حدث هذا فى بداية عام 1973حيث كان الإعتصام الطلابى بكلية الهندسة جامعة الأسكندرية قد تم فضَة بالقوة بواسطة الأمن المركزى, وذلك بعد أن شعرنا بالإرهاق من السهر والبرد والضرب يوميا من العناصر الطلابية المباحثية, حيث كانوا يتربصون بنا يوميا بعد منتصف الليل, و كان عددنا قد تقلَص الى حد كبير,خاصة فى فترات المساء بعد إنتهاء الإجتماعات.
كان قد تم اختيارى لأمانة السكرتارية,وهى وظيفة بيروقراطية لكنها كثيرة الأعباء وحساسة, حيث أنها تسمح بتوجيه الموقف حيث تريد القيادة, وكنت من على المنصة المحه يتحرك كثيرا, يملك وجها بريئا وقلب طفل, يقوم بأعمال كثيرة لكنها غير ظاهرة, أعتقد إن لم تخوننى الذاكرة أنه كان فى لجنة التموين, وهى اللجنة المسؤولة عن كل الإمدادات المطلوبة للإعتصام ووكانت أعبائها متنوعة وكثيرة.
كنت قد أعلنت فى الميكروفون الداخلى قبل فض الإعتصام أن غدا الأحد التاسعة صباحا هوموعد التجمع أمام المجمع النظرىللقيام بمظاهرة, كنَا ملتهبين حماسا فى تلك الأيام, والرغبة فى التحدى عارمة, ولا توجد حدود لطموحاتنا
تسللنا فرادى من الأبواب الخلفية للكلية, وتفرقنا لقضاء ماتبقى من الليل على موعد اللقاء فى الصباح.
مرَت الليلة هادئة على عكس التوقع, وفى اليوم التالى كنَا بالموعد, بدأنا التجمع داخل أسوار المجمع النظرى, وما أن شعرنا أن حلقة الزملاء والزميلات بدأت تكتمل حتى قررنا أن نتحرك, طفنا بالكليات الثلاث رافعين شعاراتنا, ثم خرجت المظاهرة الى الشارع فى الطريق الى كلية الهندسة, فوجئنا بوجود أعداد غفيرة من قوات الأمن المركزى تملأ الشارع, مع وجود عدد من البوكسات لإخلاء من يقبض عليهم, صممنا على التحرك, بدأت بعض عناصر أمن الدولة والضباط فى محاولة فتح نقاشات جانبية لشق وحدة الصف, كنت قد لاحظت أن بعض الزملاء قد دخلوا فى مناقشات حامية مع رجال الأمن, رفعت صوتى صائحا: المسيرة تستمر,,,,,المسيرة تستمر , بعدها مباشرة بدأ هجوم قوات الأمن , وإرتفت العصى والهراوات على رؤوسنا,وبدأوا بالقبض علينا وتحميلنا فى البوكسات حتى
إمتلأ البوكس على آخره بالمتظاهرين وألقى بى أرضا بالبوكس وإنهال على أحدهم ضربا وهو يقول: خد يا بتاع المسيرة تستمر
عندما بدأ البوكس فى التحرك, وكان لطفى لم يقبض عليه , نظر حوله
فلم يجدنا,وجدناه فجأة يجرى متسلقا السلم الخلفى للبوكس, ملقيا بنفسه بيننا وهو يصيح: خدونى معاكم
***
فى السجن كان يتمتع بجلد وصلابة, كان راغبا فى المعرفة, دائم البحث عن الأفكار, يقدم خدماته للجميع فى صمت وتواضع, وكان دائم التفاؤل. قررنا الإضراب عن الطعام مطالبين بتحسين ظروفنا المعيشية,من ذلك السماح لنا بالزيارات, والسماح بالجرائد والكتب, وبزيادة وقت الفسحة
كان نظام السجن الأَ يتم الإعتراف بالإضراب عن الطعام إلا بعد مرور أربع وعشرون ساعة, أى حينما يقدم الطعام فى اليوم التالى ويجدون طعام الأمس لم يمس,حينها تبدأ مجموعة من الإجراءات العقابية.
قبل بداية هذه الإجراءات يتم إجراء تحقيق منفرد مع كل مضرب على حده, عن أسباب هذا الإضراب,وتحذيره من العواقب,بعد ذلك يتم نقل المضربين الى غرف التأديب,بعد تجريدهم من كافة ما معهم ولا يسمح لهم بشئ الاَ ببرش وبطانية وجردلين أحدهما للبول والآخر للشرب وكروانة معدنية للطعام.
كنت لم أنتهى بعد من كتابة بيان الإضراب والذى سيتم تسريبه للجامعة, كان البيان عادة يبدأ بسقف عال من المطالب وعلى رأسها الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين فى كافة السجون المصرية مرورا بذكر الحقوق الديموقراطية من تنظيم وإضراب وتظاهر وإعتصام , ثم يتدرج البيان الى أن يصل إلى مطالبنا الإجرائية البسيطة, وتختتم جميع بياناتنا بعبارة ( كل الديموقراطية للشعب, كل التفانى للوطن.
***
كانت الشمس توشك على الغروب, وضوء النهار الآتى من كوَة عالية بالسقف يوشك أن يتلاشى, بينما كنت أمسك ببقايا قلم رصاص وقطعة من الورق فى حجم راحة اليد تم تهريبهما بوضعهما بين ثنايا البرش تضفيرا أثناء نقلنا للتأديب, كنت أكتب العبارة الأخيرة للبيان إستعدادا لتهريبه إلى خارج السجن عن طريق أحد أفراد الحراسة المتعاطفين ليتم نشره بالجامعة.
سمعت صوتا وجلبة بالخارج, تخيلت للوهلة الأولى أنها أصوات تغيير مناوبة الحرس, لكن الأصوات إرتفعت, سمعت المفاتيح تدور فى الأبواب بقوة لفتحها, لم تكن عندى فرصة لعمل أى شيئ, وضعت البيان فى جيب البنطلون الأيمن والباب يفتح بعنف ويد خشنة تقذف بى إلى الخارج.
وجدنا بالإنتظار بالخارج قوة من الحرس تقدر بحوالى عشرين فردا, على رأسهم مأمور سجن الحضرة فى هذا الزمن ويسمى ’’كميل عطالله ‘‘وكان يسميه المساجين لقسوته وبطشه ’’كميل شمعون‘‘.
بدأت الحملة فى تفتيش الزنازين وكلما إنتهوا من تفتيش زنزانة فتشوا أحدنا ذاتيا ثم سحبوه ليقذفوا به داخلها ويغلقوا الباب عليه بعنف.
كان وقوفى قبل الأخير, بعدى مباشرة كان ’لطفى‘ ,وضعت يدى فى جيب البنطلون على الورقة, جاء دورى وبدأ أحد العساكر تفتيشى, إبتداءا من شعر الرأس, وكانت أصابعى على الورقة تكورها ببطإ ,و قبل أن يسحب يدى إلى خارج جيبى رفعتها بسرعة لأضعها فى فمى وألوكها بين أسنانى بشدَه.
كانت عين المأمور كالصقر تراقب المشهد, إنتفض صارخا: طلعو الحاجة اللى حطها فى بقه إبن الكلب, تكالبوا على, أمسك احدهم بفكىَ بشدة محاولا فتحهما,بينما آخر يضغط بيده الغليظة على رقبتى, والآخرون ينهالون بالضرب على بطنى, سحبتهم وسقطت أرضا, إذداد الضرب على بطنى بأحذيتهم, وبعد أن إنتهيت من مضغ الورقة بصقتها.
فى هذه الأثناء لم يكن لطفى يدرك ما حدث , لكنه بتلقائية بدأ فى الصراخ والإشتباك معهم, مناديا على الزملاء, ليبدأ الصياح والشتائم من داخل الزنازين.
بسرعة مد المأمور يده للإمساك ببقايا الورقة المهترأة الممزوجه بالدماء والبصاق والطين, أسرع أحد الحرس بإخراج منديله ووضعها فيه.
إنتصبت واقفا, نظر إلى المأمور نظرة تحدى وإنفعال: فاكر نفسك بطل, والله لأربيك. نظرت إليه باسما فى سخرية وأنا أحاول أن أتماسك.
قذفوا بى فى الزنزانة, إنبطحت على أرضها الرطبة, لا أقوى على الحركة, مستعيدا المشهد كله, شاعرا بالنشوة أننا ما زلنا صامدين نقاوم, وما زالت المعنويات عالية.
***
أفقت لا أدرى متى من الليل على صوت دقات على الجدار من الزنزانة المجاورة, إنه لطفى, ناديت عليه, رد بصوت ضعيف قائلا أنه مريض, ويتنفس بصعوبة,لأنه مصاب بمرض عضال بالقلب, إنتبهت جيدا, بدأت بالدق والنداء على الزملاء اللذين إستفاقوا من النوم وبدأوا بالقرع على أبوب الزنازين الحديدية مستخدمين الكروانات.
فى عنبر التأديب لا يوجد حرس داخلى, أو ما يسميه المساجين’غفر الليل‘ ,وهم عادة لا يستجيبون لأحد , ولكنهم بسبب إصرارنا إستجابوا لإصرارنا وطلبوا نجدة, بعدها بوقت بسيط سمعنا صوت البوابة الرئيسية للتأديب تفتح, وصوت المأمور يأمر بفتح الزنزانة الخاصة بى, وعندما فتح الباب فوجئت بأنوار ساطعة موجهه الى وصوت يقول:تعال, وجدت بالخارج عدد من العساكر يحملون نقاَلة والمأمور كميل مرتديا بيجاما عليها روب دى شامبر يسألنى: فين زنزانة زميلكم المريض.
بعد أن حمله العسكر وإتجهوا به للخارج , بإتجاه مستشفى السجن, إلتفت الٌى المأمورقائلا:عرفت إن زميلكم مريض ,جيت بنفسى. وتغيرت نظرته ونبرات صوته وهو يقول:إسمع, مش إنتوا بس الوطنيين, إحنا كمان كنا بنعمل مظاهرات ضد الإنجليز, ولم ينتظر الرد بل إستدار ذاهبا.
***
بعد أن خرجنا من السجن إختفى عنَا مدة من الزمن, كنت كلما سألت عنه جاء الرد أنه مبتعد لإنهاء دراسته. بعد تخرجه, عاد مرَة أخرى الى النشاط الوطنى بقوة, شارك فى اللقاءات السياسية, والمؤتمرات الشعبية, وكافة الوان النشاط الجماهيرية
***.
بعد شهور غادرنا فى هدوء دون أن يحدث جلبة
***.
وداعا لطفى نور الدين
***
وداعا أيها الصديق

Thursday, June 08, 2006

من الشعر المقاوم


كم الساعة الآن
الثامنة صباحا
لا بأس إذن
فأمامنا نهار هادئ
فتقاليد الشرطة الاً تقتحم الدور نهارا
ناظم حكمت
قولو الحقيقة
لثلاث دقائق
ثلاث دقائق فقط
وبعدها فليقتلوكم
يفتوشنكو
فأنت إن نطقت مت
وأنت إن سكت مت
قلها ومت

Sunday, June 04, 2006

من الأدب الفرعونى

الراعى

كان الراعى ذو القدمين الحافيين, والملابس الرثة, والأنامل الرقيقة, يرعى أغنامه البيضاء, خلف قصر الأمير سى نعت الحاكم الإله, السر المقدس, ذو التاج الأعظم
كان قصر الأمير الحاكم يقع على ربوة مرتفعة,وكان ذى أبراج عظيمة, وعلى أسواره يقف حرَاس أقوياء

كان الراعى سينان رع يجلس تحت شجرة التوت مسترخيا والأغنام من حوله تمرح وتلعب وهو ممسكا بالناى محركا أصابعه على فتحاته ليبعث أجمل الألحان, بينما تقف الأميرة اون نخت فى شرفتها ترنو إليه مستمتعة بألحانه
مرَت الأيام والراعى يحوم حول القصر, يختلس النظرات إلى الأميرة الجميلة, يخفق قلبه وترتعش أطرافه, آه كيف الوصول إليها وهى كنجمة فى السماء, أما هو فمجرد راع فقير لا يملك سوى نايه وأحلامه
قرَر أن يصنع المستحيل لكى يصير قريبا منها,ترك الأغنام وراءه وسعى للإلتحاق بجيش الأمير, إجتاز جميع الإختبارات وأصبح جنديا بالجيش, ألقى بنفسه فى الصفوف الأولى, كان يقاتل قتالا بطوليا, معرضا نفسه للموت طول الوقت, حتى أشتهر بين أقرانه, وأطلقوا عليه البطل الذى لا يقهر, وذاع صيته حتى بلغ مسامع الأمير, فأغدق عليه بالرتب, وإستمر فى الصعود مرتبة فمرتبة حتى صار قائد جيش الأمير
.
قاد الجيش بحنكة وإقتدار,وإنتصر على الأعداء, وطردهم خارج البلاد شر طردة, وعاد من الميدان مكللا بأكاليل الغار , ليستقبله الأمير فى قصره العظيم تكريما له, مقيما على شرفه حفل كبير, داعيا اليه الحكام والأعيان وعلية القوم
أثناء الحفل لمح الأميرة الجميلة تقف فى الشرفة, تجرأ وإقترب منها, مد يده بالتحية, إنحنت وهى تقول :-أهلا بالفارس العظيم والبطل الشجاع, تلعثم قليلا قبل أن يعبَر لها عن شعوره, وما يحمله تجاهها من إعجاب وحب,ورغبته فى الإرتباط بها, أطرقت الأميرة إلى الأرض وهى تقول بصوت خفيض: ولكننى يا سيدى لم يخفق قلبى مطلقا إلا لإنسان بسيط كان يرعى أغنامه تحت هذا القصر,ولكنه إختفى منذ زمن, وانا مازلت فى إنتظاره.

تمت
منقولة عن بردية للشاعر الفرعونى ( بنتاؤور)