Wednesday, October 17, 2007

الملك فاروق....والدراما التاريخية



حظي مسلسل الملك فاروق والذي تم إنتاجه و بثه حصرا فى 33 حلقة خلال شهر رمضان وعيد الفطر بأعلى نسبة مشاهدة بين المصريين والعرب على اختلاف فئاتهم وأذواقهم, وذلك رغم كونه من الأعمال التسجيلية التاريخية من خلال التناول التاريخي الصارم لشخصية آخر ملوك أسرة محمد على والذي ارتقى عرش مصر وعمره سبعة عشر ربيعا عاما بعد رحيل والده فؤاد الأول عام 1936 وحتى نفيه الى ايطاليا فى يوليو 1952 بعد قيام الثورة.
ويسجل المسلسل بالتفصيل قصة ملك مصر خلال الخمسة عشر عاما التي تولى فيها الحكم(37-52) راسما تفاصيل القصور الملكية وحياة الأسرة العلوية ورجالات السياسة والحكم وعلا قات قصر عابدين (المقر الملكي) بقصر الدوبارة(مقر المندوب السامي البريطانى) وأيضا العلاقة مع الوفد حزب الأغلبية التقليدي وأحزاب الأقلية من سعديين وأحرار دستوريين وكتلة وفدية ولكن يعاب على المسلسل عدم إظهاره للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمصريين العاديين من فقراء وفلاحين وطبقة وسطى وحصر التصوير داخل القصور الملكية وكواليس البيوتات الراقية ومبنى البرلمان والسفارة الانجليزية وبعض المواكب الملكية.
ولعل الاقبال الجماهيري العالي على مشاهدة المسلسل يمكن تفسيره في رغبة المصريين في الاطلاع على حقبة كاملة من تاريخهم كانت مغيبة عن وعيه لأكثر من نصف قرن وشابها الكثير من التعتيم والإلغاء لكل ما سبقها وكأن تاريخ مصر لم يبدأ إلا بعدعام 1952 مثلما كان يصنع فراعين مصر من محو صور وتاريخ من سبقوهم من على المسلات تصديقا لمقولة أن التاريخ يصنعه المنتصرون , ووصل ذلك إلى تشويه صورة الملك فاروق في أفلام الأبيض والأسود التي تم إنتاجها قبل الثورة وحجب اسم الملك من أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب والتشويه الكامل للحياة الحزبية والدستورية ونعت تلك المرحلة بالعهد البائد والأسود , لذا شكل هذا المسلسل صدمة ذهنية للأجيال الشابة التي فوجئت بتاريخ مختلف عن ذلك الذي قرأت عنه في الكتب المدرسية الرديئة من ملك فاسد لا يفيق من الخمر مرتميا طوال الوقت في أحضان الراقصات وفساد الحاشية والأحزاب وكل شيء في مصر متناسين أن مصر خرجت من الحرب الثانية تدين بريطانيا العظمى بملايين الجنيهات بأسعار ذلك العصر.
كما أن المشاهد العادي كان يسقط واقعه المعاش في عقله الواعي وما يشاهده من ملكية مقيدة تمنع على الملك حتى تعيين معاونيه وتقييد أوجه إنفاقه وبين ما يراه من استفتاءات ال99.9% ونظام جمهوري يسمح للرئيس أن يبقى في الحكم مدى الحياة ويسعى إلى توريث ابنه من بعده وفساد يطال الركب وانقسام طبقي حاد بين أقلية تملك كل شيء وأغلبية لا تملك شيء.
على أن رغبة المشاهد في التعرف على حقبه هامة ومؤثرة من تاريخ بلده, وحنينه الفطري إلى الماضي, لا يقلل من قيمةهذا العمل الجميل, من رسم دقيق وأداء متألق للشخصيات, وديكور رائع, وميكياج وملابس ومؤثرات صوتية وإضاءة (بتكلفة إنتاج تجاوزت 5,5 مليون دولار) تعلى من قيمة هذا العمل وتفوقة, رغم محاولات البعض الربط بين جهة الإنتاج كونها سعودية وما سبق المسلسل من بث مقابلة مع الأميرة فريال ابنة الملك فاروق على قناة العربية التى تتبع نفس المالك السعودى وبين محاولة تبييض وجه الأنظمة الملكية (كما جاء في مقابلة متلفزة مع الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة).
أيضا لم تتوقف هذه الحملة على جهة الإنتاج بل حاولت التعرض لهذا العمل الجميل كون أن من قام بإخراجه ومن جسّد شخصية الملك فاروق ليسا مصريين بل من ا السوريين وهذه في رأيي نعرة جديدة على المصريين الذين وطوال تاريخهم الفني الرائد لم يفرقوا يوما ما بين مصري وعربي ويهودي وقد إمتلأت الساحة المصرية الفنية طوال القرن الماضى بعديد من الأسماء التى يصعب حصرها ولا ننسى دور الجاليات الأجنبية في مصر فئ إثراء مسيرة الحياة الفنية المصرية ابتداء من أبو خليل القباني في المسرح وتوجو ومزراحى فى السينما وأند ريا رايدر في الموسيقى , وحتى إذا كان من جسّد شخصية الملك سوريا فان فاروق نفسه كان من أصول ألبانية.
وقد عرف الجمهور المصري تيم حسن في دور نزار قباني والتقى بالمخرج حاتم على في كثير من روائعه التاريخية مثل صقر قريش وربيع غرناطة وملوك الطوائف ولذا فهم ليسوا غرباء عليه ولكنهم تفوقوا على أنفسهم هذه المرّة فقد أبدع تيم فى دور الملك فاروق وأدى الشخصية أداء رائعا لولا بعض العصبية والمغالاة أحيانا, كذلك كان حاتم على مفاجئة لكل من شاهد العمل من تملك لأدوات إنتاجه ورسم شخصيات العمل بتملك واقتدار وتوظيف ثرى للطاقات الفنية للممثلين.
كما كان الورق الذي صاغته أنامل طبيبة الأطفال الرقيقة الدكتورة لميس جابر زوجة الفنان المبدع يحيى الفخرانى ,هذا النص الذي أنفقت خمسة عشر سنة من عمرها في جمعه وتصنيفه ليخرج لنا بكل هذا القدر من الجمال والاقتدار بالرغم من أن الاهتمام الأكاديمي المفرط أثّر على النواحي الفنية للعمل ككل ,مع عدم نفينا لتأثر العمل ببعض رؤاها الشخصية مثل انحيازها للوفد وتبرير مواقفه حتى في حادث 4 فبراير, وتعاطفها مع الملك فاروق في كثير من المواقف بل الأخطاء , ولكن هذه طبيعة الأشياء فكل من كتب عن الملك فاروق أمثال عبد الرحمن الرافعي أو طارق البشرى أو عبد العظيم رمضان وغيرهم كان متأثرا باتجاهه الشخصي.
على أن فريق العمل الذي قام بالتمثيل تم اختياره بشكل دقيق وأقرب مايكون للشخصية التي جسدها كل منهم, وشخصيا كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة إلي أداء معظم الممثلين في أدوار جديدة عليهم إلى حد كبير, فعدا عن تجسيد تيم حسن شخصية الملك فاروق بشكل دقيق , فقد أجادت وفاء عامر فى دور الملكة نازلي برغم كونها صغيرة نسبيا على تمثيل دور أم الملك فاروق لولا إتقانها للدور وجودة الميكياج, كذلك كان صلاح عبد الله في شخصية النحاس باشا في دور جاد وجديد عليه وان كان يعاب عليه عدم القدرة على إخفاء طابعه الكوميدى فى العمل, كذلك أبدع الجميع في تشخيص أدوارهم ,نبيل الحلفاوى في دور على ماهر و هادى الجيار فى دور مكرم عبيد وعزت أبو عوف في دور أحمد حسنين وبسّام رجب في دور فؤاد سراج الدين ومنة فضالى فى دور الملكة فريدة وغيرهم كثيرون , حتى بعض الممثلين الذين كانوا يؤدون أدوارا بسيطة فيما سبق مثل ذلك الممثل الذي أدى دور محمد محمود باشا بلكنته الصعيدية المحببة( للأسف نسيت اسمه), كذلك جاء أداء دور لورد لامبسون المندوب السامى وانجليزيتة الطلقة شهادة للعمل, أما دور السيدة زينب الوكيل والذى لعبته الفنانة إنتصارفلم تستطيع اظهار هذه الشخصية القوية والمتسلطة على النحو المطلوب, كما لم يخلو المسلسل من بطأ واطالة فى بعض أجزائه مثل حادث 4 فبرايرالذى إستغرق أكثر من حلقة وكذلك الحادث الذى تعرض له الملك فى القصاصين, وأيضاأخذ على المؤلفة اختصارها لبعض الأدوار والشخصيات مثل دور حسن البنا والإخوان وكذلك دور اسماعيل صدقى واحداث 1946, وإغفالها لتحول الملكة الأم الى الديانة المسيحية قبل وفاتها بأمريكا وإن كان ذلك أفضل على كل حال بسبب الإحتقان الطائفى الذى نعيشه.
على أن مراجعة وتدقيق دكتور يونان لبيب رزق للعمل أعطاه مصداقية اضافية وجعل العمل أكثر توازنا فى سرده للأحداث مبرزا نزوات الملك وتأثير حاشيته الايطالية عليه واستخدامه المفرط والخاطئ فى اقالة الوزارة وحل البرلمان وتلك هى المثلبة الكبرى لدستور 1923 , وعلاقته الأوديبة المعقدة بأمه لدرجة أن بعض المشاهد تذكرنا بفيلم هاملت حول الملكة الأم بالدنيمارك.
يبقى من هذا المسلسل أنه ساهم فى انعاش ذاكرتنا لتذكر إحداث تلك المرحلة العصيبة من تاريخ بلدنا, ويبقى أيضا سؤالا محروجا حبيس الصدور.
ماذا لو لم يتم الانقلاب فى 1952 واستمرت الملكية المقيدة, والحرية البرلمانية والحزبية والصحافة على ما هى عليه؟ ألم يكن بالإمكان أن تصحح الديموقراطية أوضاعها؟؟؟
سؤال لا أستطيع الاجابة عليه وحدى.......