Friday, November 07, 2008

هل يحلم فلسطينى أن يصبح رئيسا لدولة إسرائيل؟




فى ظل موجة التفاؤل التى عمت العالم بإنتخاب باراك أوباما لرئاسة أكبر وأقوى دول العالم, بعد ثلاثة قرون من إبقاء الزنوج فى الولايات المتحدة فى الوضع الأدنى, مما حدا بى أن أحلم أيضا فى إمكانية اليوم الذى يحكم فيه إسرائيل رجل فلسطينى حالم أيضا, فما كان بالأمس حلما أصبح اليوم واقعا.
لقد تحرر الزنوج فى أمريكا عبر سلسلة طويلة من الحروب والمآسى الفظيعة من واقع مؤلم كأقنان فى الأرض فى الجنوب وعمال بائسين فى مصانع الصلب فى الشمال, بعد أن جلبوا من أوطانهم الأصلية مقيدين بالسلاسل والأغلال, ليعيشون على فتات سادتهم البيض فى جيتوهات مغلقة, وأوضاع مزرية, حيث لم يكن مسموحا لهم حتى عقود قريبة أن يختلطوا بالبيض فى المدارس والمطاعم ووسائل المواصلات, وحتى كانت لهم مشارب للماء منفصلة.
إن كلمات نيكسون أن" السود سبب كل المشاكل فى أمريكا", وإعلان ريجان بصراحة وقوفه فى مواجهة السود, وحتى قول كلينتون أن على السود أن يتحملوا وحدهم نتيجة أخطائهم, ليس بعيدا, ليأتى وبعد أقل من ثمانى سنوات من حكم كلينتون شاب أسودذى أصول إسلامية, ليقرر أن يحطم هذا التابو ويعلن ترشيح نفسه للرئاسة, قافزا فوق كل القيود, متخطيا كل الأسوار, ليتابع على الملأ رحلة شاقة لإنتزاع ترشيح الحزب الديموقراطى, ومن بعدها الوصول الى البيت الأبيض.
لقد حاولت السيدة كلينتون ومن بعدها الجمهورى مكين تحريك مشاعر العنصرية فى مواجهة الصعود السريع لأوباما, ولكن جاءت تلك الحملة بنتائج عكسية لأن الأغلبية كانت قد حسمت أمرها, ولم يكن الأمريكان تواقون للعودة لهذا الماضى البغيض.
لقد إستطاع شاب من أصول أمريكية مثقف, ومتخرج من أعلى الجامعات الأمريكية, ويملك شخصية كاريزمية طاغية, ويملك رؤيا واضحة ولسان طلق, أن يقلب الطاولة, ويغيرالموازين الداخلية, ويجمع حوله الشباب والنساء والمهمشين والمثقفين والنخبة وقطاعات عريضة أخرى, فى إستكمال لمسيرة الأب الروحى لذلك الطريق, مارتن لوثر كنج , ولتضحيات ستوكلى كارمايكل والكس محمد وآخرين, أقول إستطاع أن يفعلها ويغير وجه أمريكا والعالم.
كما لا يجب أن ننسى الإنقلاب العظيم الذى حدث فى "جنوب إفريقيا" حيث انتقلت السلطة من سيطرة الأقلية البيضاء الى الأغلبية السوداء, وفيما يشبه الحلم يخرج "نيلسون مانديلا" من معتقل قضى فيه أكثر من ست وعشرين عاما, ليصعد خلال شهور الى قمة السلطة, فى مشهد درامى حبس فيه العالم أنفاسه.
منذ إستوطن البيض المنطقة الجنوبية من القارة الأفريقية بعد إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح, وهم يستخدمون السود خدما وعبيدا لهم, فى أسوأ نظام للفصل العنصرى(أبارتيد) وهى سياسة عزل للسود فى بانتوستانات منفصلة, فى مناطق تتسم بالجدب والعزل, فى أكواخ من الصفيح, ولا يتمتعون بأدنى الحقوق السياسية والإجتماعية.
لقد إستطاع "نيلسون مانديلا" من خلال قيادته لحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى أن يوحد السود من خلال برنامج للكفاح السياسى والعسكرى للتحرر الوطنى, وإستطاع رغم سنوات السجن الطويلة أن يلهم الجماهير ويقود نضالها التحررى ليستطيع فى النهاية من تحقيق النصر المؤزر, لترفعه الجماهير فى النهاية الى سدة الحكم.
ورغم إختلاف الهجمة الإستيطانية الشرسة فى فلسطين, ونجاح النظام العنصرى الصهيونى فى فرض وجوده على الأرض الفلسطينية, فإن هناك تشابها لا يخفى بين هذه الأنظمة الثلاث رغم التباين بينها, فنظام عنصرى بالولايات المتحدة إستمر لثلاثة قرون , ليسفر فى النهاية أن ينتصر شاب من الأقلية السوداء( 13%) بالرئاسة, ونظام فى الجنوب الإفريقى تتحكم فيه أقلية من البيض (4%) فى شعب من السود والملونين, إلى نظام إستطاعت فيه أقلية يهوديه بمساعدة الإمبريالية العالمية الإستيلاء على كامل الأرض الفلسطينية, وتفاوض الفلسطينيين على أقل من (22%) من الأرض, ولكن يتواجد داخل الخط الأخضر أقلية فلسطينية تشكل أكثر من (20%) من السكان.
وبالرغم من الصور المتعددة للعنصرية الصهيونية بالداخل الفلسطينى, وإعتبار العرب مواطنين من الدرجة الثالثة بعد اليهود الشرقيين, الا أن العرب يتمتعون ببعض الحقوق التى إنتزعوها خلال مسيرة طويلة من النضال, مثل حرية تكوين الأحزاب, وحق الإقتراع والترشيح, ولهم بالفعل عدد من الأعضاء فى البرلمان الإسرائيلى" الكنيست".
فهل يأتى ذلك اليوم الذى يستطيع فيه شاب فلسطينى يملك الحلم والإرادة والرؤية الثاقبة أن يجسد الحلم ليدفع الأغلبية الإسرائيلية للتخلى عن عنصريتها والإندماج فى إطار وطنى ينتصر للعدل والمساواة والعيش المشترك.
هل يمكن أن يحدث ذلك؟
ربما فالإنجازات الكبيرة تبدأ دائما بأحلام كبيرة!!!
وليس ما حدث فى أمريكا ببعيد