Thursday, December 31, 2009

أقـزام طـوال


أيُّها الناس قفا نضحك على هذا المآل
رأسًنا ضاع فلم نحزن ..
ولكنّا غرقنا في الجدال
عند فقدان النعال!
لا تلوموا
" نصف شبر" عن صراط الصف مال
فعلى آثاره يلهث أقزام طوال
كلهم في ساعة الشدّة .. ( آباءُ ر غال!
لا تلوموه
فكل الصف أمسى خارج الصف
وكل العنتريات قصور من رمال.
لا تلوموه
فما كان فدائياً .. بإحراج الإذاعات
وما باع الخيال .. في دكاكين النضال
هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال
ومن الخير استقال
هو إبليس فلا تندهشوا
لو أن إبليس تمادى في الضلال
نحن بالدهشة أولى من سوانا
فدمانا
صبغت راية فرعون
وموسى فلق البحر بأشلاء العيال
ولدى فرعون قد حط الرحال
ثم ألقى الآية الكبرى
يداً بيضاء.. من ذُلِّ السؤالْ!
أفلح السحر
فها نحن بيافا نزرع "القات"
ومن صنعاء نجني البرتقال!
* * *
أيها الناس
لماذا نهدر الأنفاس في قيلٍ وقالْ؟
نحن في أوطاننا أسرى على أية حال
يستوي الكبش لدينا والغزال
فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال
تحت نير الاحتلال
من حدود المسجد الأقصى .. إلى )البيت الحلال(!
* * *
لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال
وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبالْ.
و يمينيون .. أصحاب شمالْ
يتبارون بفنِّ الاحتيالْ
كلهم سوف يقولون له : بعداً
ولكن .. بعد أن يبرد فينا الانفعال
سيقولون: تعال
وكفى الله "السلاطين" القتال!
إنّني لا أعلم الغيب
ولكن .. صدّقوني :
ذلك الطربوش .. من ذاك العقال
شعر: أحمد مطر!

Friday, December 18, 2009

اليه فى يوم ذكراه ....... زكى مراد...فارس ليس من هذا الزمان


فين تاريخك يا زكي

يا مرادي ومطلبى

لما تبقى الضلمه نور

ابنوا للاحــــلام جسور

وارموا فى الارض الجدور

تطرح الاشجار زهور

يرتفع فــــرع الزتون

وطنى جوه فى العيون

هو دينى ومذهبى

الشاعرة هدى توفيق

فى مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاما رحل عن عالمنا فارس نبيل قلّ أن يجود الزمان بمثله، هو المناضل والشاعر الثورى إبن النوبة "زكى مراد"، تاركا ورائه إرثا نضاليا من العمل الثورى فى حياته القصيرة الملتهبة عشقا وذوبانا فى هذا الوطن.
هو إبن قرية إبريم ببلاد النوبه القديمة التى أخرجت عشرات المناضلين والثوّأر، ولد فى الأول من شهر سبتمبر لعام 1927، إبن عمدة هذه القرية " محمد ابراهيم أحمد" الذى أطلق على إبنه إسما مركّبا "زكى مراد" تيمنا بسميه الملحن والمطرب اليهودى والد الفنانة "ليلى مراد" والذى كان يعشقه.
غادر القرية صغيرا وعمره 15 عاما ليلتحق بالدراسة فى مدرسة حلوان الثانوية بالقاهرة، وليقيم فى حجرة فى أرض شريف مع إبن عمه والروائى محمد خليل قاسم صاحب الشمندورة، حيث كانت الحرب العالمية الثانية فى نهاياتها 1943 وكانت مصر فى أتون صراعها ضد المحتل الإنجليزى والقصر الملكى والطبقات المستغلة، ليتفتح وعيه الثورى سريعا، وينضم لحركة الطلاب عام 1946 فى بداية إلتحاقة بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقا ).
شارك فى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التى قادت الحركة الوطنية رافعا شعار الحرية والخبز، ليتم إعتقاله للمرة الأولى عام 1946 بسبب عضويته فى تلك اللجنة، وفى نفس العام يعاد إعتقاله مرّة ثانية بتهمة مناهضة السلطة الملكية، ليعرف طريق السجن والإعتقالات طوال حياته.
فى المرة الثالثة تم إعتقاله عام 1949 بتهمة الإنضمام لتنظيم شيوعى حيث إنضم لمنظمة حدتو(الحركة الديوقراطية للتحرر الوطنى)، وكانت بمثابة أكبر المنظمات الماركسية فى ذلك الوقت وأكثرها فاعلية، كما كان الفقيد نشطا أيضا فى منظمة حستو (الحركة السودانية للتحرر الوطنى) حيث شارك فى تأسيسها مع كثير من الرفاق السودانيين أمثال "عبد الخالق محجوب" و"الشفيع أحمد الشيخ".
أما حبسته الكبرى فقد إمتدت من العام 1953 ولم تنتهى الآّ بعد 11 عاما، مع خروج الشيوعيون من معتقل الواحات قبيل زيارة الزعيم السوفيتى "نيكيتا خروشوف" لمصر عام 1964، تلك الحبسة الطويلة التى كانت عقابا له على موقفه من النظام الناصرى الدكتاتورى، والتى شهدت أبشع أنواع التعذيب للشيوعيين ليسقط منهم العديد من الشهداء أمثال شهدى عطية ولويس إسحق وسليم حداد وغيرهم، كما تكرر إعتقاله أكثر من مرة إبان حكم الرئيس السادات بتهم عديدة منها محاولة قلب نظام الحكم ورفض اتفاقية كامب دافيد والصلح مع اسرائيل.
فى نظرى أن أهم ما قام به المناضل الثورى زكى مراد هو إعادة تأسيسه مع مجموعة من رفاقه وعلى رأسهم الراحل نبيل الهلالى للحزب الشيوعى المصرى فى الأول من مايو (أيار) عام 1975 حيث تبوأ منصب السكرتير العام للحزب حتى وفاته.
إلتقيت الشهيد لأول مرة فى النادى السودانى بالأسكندرية حوالى العام 1973، حيث أقيمت ندوة حول العلاقات المصرية السودانية، يومها القى محاضرة ثرية تعرض فيها لتاريخ العلاقات النضالية بين الشعبين، ذاكرا أن فى أربعينيات القرن كانت البرجوازية المصرية ترفع شعار وحدة وادى النيل تحت التاج الملكى و كان الشيوعيون يرفعون شعار النضال المشترك ضد العدو المشترك.بعد ذلك بحوالى عامين تعرفت به شخصيا فى بيت المناضلة شاهندة مقلد بالإبراهيمية حيث كان يقيم بالأسكندرية صيفا مع أسرته فى شقة صغيرة بكامب شيزار، والتقيت فيما بعد مع زوجته ورفيقة نضاله وكاتمة أسراره المناضلة فتحية سيد أحمد إبنة خالته وأم أولاده، وعلى الطفلين صفاء وصلاح.
كان مليح الوجه، بشوشا دائم الإبتسام، لكنه حين يغضب من أجل القضية كان يظهر ذلك على كامل وجهه، ودودا يدخل الى القلب سريعا، يتباسط فى الحديث فى تواضع أصيل، صبورا وذو نَفَس طويل فى المناقشة، خاصة مع الشباب الصغير السن والتجربة، حيث كان يتناقش معنا لساعات دون كلل، مظهرا فهما عميقا للنظرية.
كانت رحلته مع العمل بالمحاماة قصيرة، لكنه تألق كثيرا مع صديق عمره نبيل الهلالى دفاعا عن الطلبة والعمال والسياسين بمختلف مشاربهم، وظل بيته فى المنيرة قبلة للجميع، لايتأخر عن أى محتاج أو مظلوم، يقيم الحفلات ليغنى فيها الشيخ إمام ومحمد حمام والسودانى محمد وردى، حتى محمد منير عرف طريقه الى الشهرة من هذا البيت المتواضع الذى لم يغيره طول حياته القصيرة التى إنقسمت بين أبريم والمنيرة.
كان شاعرا حماسيا، قال الشعر فى مناسبات كثيرة، منها وفاة القائد "يوسف صديق" عضو حديتو وبطل الإستيلاء على مقر هيئة الأركان ليلة الثورة، قال فيها:
“ما اعتاد جنودك أن تسكت حين ينادون ….
ما اعتاد رفاقك أن تسكت عما يرجون ….
أتشيح بوجهك عنهم؟
أو ترحل في وقت لايقطعه إلا أبطالٌ مثلك؟“
الرحيل:
لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة، وإن كانت المؤامرات موجودة فى كل زمان ومكان، ليلة الرحيل على ما أذكر إلتقى بنا فى شقة أم ناجى ( شاهندة)، وكان الجو ليلتها عاصفا جدا، ذكر لنا أنه مضطر للسفر فجرا الى القاهرة لموعد هام، سأل إن كان أحدنا يرغب فى السفر معه كرفيق طريق، كانت معه سيارة جديدة تغرى بالسرعة، ألححنا عليه أن يؤجل سفره لأن الجو عاصف والطريق خطرة فرفض، حاولنا كثيرا إثناءه لكنه أصّر، لم أره بعدها، حوالى العاشرة صباحاعلمنا بالحادث، كانت جنازته مهيبة من جامع عمر مكرم، كل القوى السياسية شاركت، لأول مرة يهتف المشيعون بحياة الحزب الشيوعى ووحدة الشيوعيون، نجح الشهيد فى تجميع القوى الوطنية كأروع ما يكون فى الجنازة، وستبقى ذكراه نبراسا ينير لنا الطريق، وحافزا للتوحد.
من قصيدة أحمد فؤاد نجم فى رثائه:
حصنت بعقدك صدر الناس

من شر الوسواس الخناس

يابو قلب لا سوسه ولا سواس

ورقيتك يا اسمرواسترقيت

الضم حبابيك بقي ياسمارة

وافتح شبابيبك لقا يا سماره

على جو الشارع والحاره

تحلو زيادة وتملا البيت

يا بلح ابريم يا سماره

Sunday, December 06, 2009

شخصيات من السجن


محمد شعبان
ماذا لو أعطتنا الحياة كل ما نتمناه، أم أنه قانون الصراع الأزلى، منذ انقسم المجتمع الى
سادة وعبيد، من يملكون ويتحكمون، ومن عليهم الطاعة والعيش على هامش الحياة، هو لم يكن كذلك، تمرّد على هذا القانون الأزلى، قرر أن يشارك الأغنياء أموالهم، فاشتغل نشالا।
بدأ رحلته فى سن مبكر، حدد منطقته ترام الرمل، أيام الخواجات، كان الترام تحفة فنية بدرجتيه الأولى والثانية، قبله بزمن كانت عربات سويرس التى ينطقها العامة سوارس ، تمشى على عجلات وتجرها الخيول، بعد دخول الكهرباء تم تشغيل الترام ويتصل بأسلاك الكهرباء عن طريق عصا معلقة فى السقف تسمى سنجة، كان ترام الرمل متميزا، يبدأ من محطة الرمل وينتهى عند محطة فيكتوريا، حيث المدرسة العريقة فيكتوريا كوليج.
إلتقيته فى السجن وهو فى عمر متقدم، ربما تجاوز السبعين، كان يحفظ أغانى أم كلثوم ظهرا عن قلب، يملك أذنا موسيقية وصوتا رخيما، كان يستمتع كثيرا أن نطلب منه أغنية معينة لها، يستخدم أى شيئ ممكن لعمل إيقاع بيديه، وينساب صوته الجميل ليشجينا، كنا نتجاوز بعض الأخطاء فى النطق، هكذا إلتقطتها أذناه، لكنه لا ينشّز أبدا.
بين وصلات الغناء حكى لى قصته، ولد يتيما، رباه عمع الذى تزوج أمه، كان قاسيا عليه، ترك البيت مبكرا وانطلق الى معترك الحياة وحيدا، إلتقطه عالم الإجرام، عانى من قسوة المجتمع عليه، ومن ظروف الحياة القاسية، لم تتح له فرصة تعلم القراءة والكتابة، عمل بالمثل القائل" إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب"، تعلم النشل فى وسائل المواصلات الى أن إستقر به المقام فى ترام الرمل.
يروى لى قصة عن أحد الخوجات ركب وراءه الدرجة الأولى فى الترام، كانت محفظته عامرة، شاهدها بنفسة أثناء دفعه لثمن التذكرة، كان الخواجة حريصا، دسّ المحفظة فى جيبه ووضع يده عليها، لم يجد طريقة للوصول اليها، لاحظ ركوب زميل له فى المهنة، تبادل معه بعض العبارات الهامسة بلغة غير مفهومة الاّ لهم، تدخّل زميله وأسقط القبعة من رأس الخواجة، فى لحظة كانت المحفظة فى يده.
كسب أموالا كثيرة أنفقها جميعا، عرف طريق الكباريهات وتعرف على معظم الراقصات بها، عاش حياته بالعرض، لايعرف متى أحب صوت أم كلثوم، لكنه تعلق بها، لم يفوّت حفلة شهرية لها فى سينما الهمبرا، كان يتعمد الجلوس فى الصفوف الأولى، يحاول أن يلفت نظرها فى كل حفلة، كان يتمنى أن يتعرف عليها، حسب روايته إقترب منها بعد الوصلة الأولى وفى يده باقة ورد، أثناء إنشغالها بأخذ الورد منه نشل البروش الماس من على صدرها، فى نهاية الحفل ردّه اليها، وكان أن عرفته.
يذكر أنه كان مطلوبا دائما، فى إحدى الحفلات وبعد أن فتح الستار، أم كلثوم جالسة على الكرسى فى وسط المسرح، والفرقة الموسيقية تبدأ العزف، كان جالسا فى الصف الثانى، من آخر الصالة دخل ضابط مباحث، سار فى الممر الطويل دون أن يحدث جلبة، حتى وصل الصف الثانى، وضع يده على كتفه وأشار اليه أن يتبعه، تجاهله فى المرّة الأولى والثانية، فى الثالثة تعمد رفع صوته ناظرا الى أم كلثوم، أشارت للفرقة أن تتوقف عن العزف، وقفت لتسأل الضابط ماذا يريد، برد مهذب أفهمها أن هذا الشخص مطلوب للبوليس، أشارت بيدها بطريقة حازمة الى الضابط قائلة: إتفضل يا فندى محدّش يدخل حفلتى بالطريقة دىمهما كان السبب، إضطّر الضابط للخروج ولكن الى حين، بين الوصلتين خرج من باب جانبى، إعتلى سور السينما، هبط فى الشارع الخلفى، وجد موتوسكل واقفا، أسرع بالهروب.
تعودت على اللقاء به والعطف عليه، عرفت أنه تصله مساعدة شهرية من أم كلثوم، أعلن عن الإفراج عن مجموعة بمناسبة المولد النبوى وكان إسمه بينهم، لم يبد اى شعور بالفرح بل كان حزينا، شاهدته يومها يبكى بحرقة، لا يدرى أين يذهب بعد الخروج، ليس له أحد بالخارج، ليلتها عنبر له المسجونون تحية حب (بعد مساء الخير على غفر الليل..واحد يا ورد..اتنين يا فل... تلاتة يا ياسمين... اربعة يا أحسن ناس معلمين...أحب أعرفكم يا إخوانى إن عم محمد شعبان طالع بكرة إفراج...عاوزين تقولوله أيه...)، نداءات التحية توالت من الزنازين، غنى لنا حتى الصباح بصوت حزين، لكنه أطربنا.

Friday, November 13, 2009

دموع أم

حدث هذا فى نهاية العقد السابع من القرن الماضى، أى منذ حوالى الثلاثون عاما، كنت وقتها فى مرحلة التكليف بعد التخرج من كلية الطب وقضاء سنة الإمتياز (التدريب)، كلفت بالعمل فى إحدى قرى محافظة المنوفية " التى يوجد بها وحدة صحية ريفية، حيث كنت بالطبع الطبيب الوحيد بها، ومعى مجموعة من العاملين، ثلاث ممرضات، ثلاث تومرجيات، فنى مختبر واثنين من الفراشين.
فى الأيام الأولى لتوزيعنا على المحافظة، تم تدريبنا سريعا على التعامل مع الحالات الطارئة، كما تم تعريفنا بشكل أكثر تفصيلا على كيفية التعامل مع الموتى، حيث قام الدكتور "سعيد" وكيل المديرية بنفسه بتعليمنا كيفية الكشف على الجثة، والتسجيل فى دفتر الثلاث خانات ودفتر الجرافيك، وإصدار التصريح بالدفن وكتابة شهادة الوفاة.منذ اليوم الأول لإستلام العمل بالوحدة الصحية بدأت عملية ترويضى من قبل العاملين بها، وتعليمى كيفية الإحتيال على القانون، إبتداءا من التزويغ من العمل، مرورا بالكشف الخصوصى، وليس إنتهاءا بتسوية المستهلك من الأدوية، وإكتشفت من خلال هذه العمليات كيف أن هذا النوع من العمل بكل شروطه ومتطلباته غول حقيقى لا يرحم، فإما ترضخ لقوانينه، وإما تعرّض نفسك وحياتك للخطر، وبمنتهى البساطة قد تجد نفسك فى السجن.
وكان لعلاقتى الوثيقة بعم "عبد الرحمن" فرّاش الوحدة أثر كبير فى تعليمى أسرار العمل، وفى تجنيبى إن لم يكن حمايتى من الوقوع فى كثير من الأخطاء القاتلة، كان هذا الرجل بنظارته السميكة، وطاقيته المزّهرة بصفة مستمرة، وجلابيته الإفرنجى البيضاء، ووجهه البشوش المبتسم ، يعطيك دائما الإحساس بالثقة والطمأنينة.
فى تلك الأيام إستطعت أن أقيم علاقات حقيقية مع كثير من أهل القرية البسطاء، الذين ساعدونى بشكل حقيقى على تحمل هذه الحياة، خصوصا واننى كنت فى هذه الأيام حديث الزواج، وكنت أقيم بالأسكندرية، حيث زوجتى وأصدقائى وحياتى الثقافية والسياسية، غير أن الذى كان يقنن علاقتى بأهل القرية فى الحقيقة كان عم "عبد الرحمن"، على الأقل بحكم معرفته الطويلة بهم، خاصة أنه كان يعمل حلاق صحة للقرية قبل تعيينه فى الوحدة الصحية، هذا الحلاّق الذى يقوم بختان الأطفال، وإعطاء الحقن، وتطبيب الجروح، وعلاج الأمراض البسيطة، فيما يرقى الى ما يقوم به طبيب تلك الأيام.
بسرعة أصبح هذا الرجل مستشارى الأول ومصدر ثقتى وخاصة فيما يتعلق بعلاقتى بالآخرين، هو الذى يشير على بكيفية التصرف فى معظم المشاكل وكيف أنظم "دفتر الأحوال" حتى لا أقع فى أخطاء قانونية، وحتى حالات الوفاة التى تحدث بالقرية كان هو الذى يحدد لى من هى الحالة التى أذهب للكشف عليها ومعاينتها فقد تكون بها شبهة ما، وتلك المعروفة التى لا تحتاج الى معاينة.
فى أحد الأيام وفى حوالى الساعة الثالثة عصرا وبينما كنت أستعد لركوب الأتوبيس المحلى ذاهبا الى الأسكندرية، طرق اذنى صيحات نسائية حادة (صوات)، وهذه الأصوات فى الغالب تعنى حدوث وفاة، تماما كم تعنى الزغاريد حدوث زواج، مما دعانى الى التريّث والعدول عن ركوب الباص، والعودة أدراجى الى الوحدة الصحية، حيث التقانى عم "عبد الرحمن" بهدوئه المعتاد، وأخبرنى أن المتوفى شاب يتيم فى مقتبل العمر، وأنه من الضرورى أن أعاين الجثة.
ذهبت الى الإستراحة فى إنتظار إستدعائى، وبعد قليل حضر غفير من الدوار ومعه فلاح من أقرباء المتوفى ليطلبا منى "تصريح دفن"، واستعجلانى حتى يمكن الدفن فى نور النهار، أخبرتهما اننى سأقوم بإرتداء ملابسى واللحاق بهم، بسرعة كان عم "عبد الرحمن" معى فى طريقنا الى بيت المتوفى، طوال الطريق لم نتبادل أى حديث.
كان المنزل عبارة عن بيت طينى متهالك، أسرع الحشد فى توسيع مكان لمرورى الى الداخل، أجلّسونى فى الحجرة الخارجية (المندرة) على كرسى خيزران قديم وقذر، بينما جلس الجميع على الأرض، أسرع أحدهم فى إحضار الشاى، بينما صمّم الكثيرون أن آخذ منهم سجائر، تملكنى إحساس داخلى أن هناك شيئ يتم تدبيره، خاصة عندما لمحت من فتحة الباب وعبر الفناء الداخلى أنهم ينقلون الجثة من غرفة الى أخرى.
كان فكرى مشغولا بمسألة السفر الى الأسكندرية، لذا كان الوقت يمر ثقيلا، بدأ الفلاحين يهمهمون بأحاديث جانبية عرفت أنها رسائل موجهه الى، المرحوم استراح من الدنيا والمرض، داخ على الأطبا، مسكينة أمه صرفت عليه اللى وراها واللى قدامها، ويتكرر هذا الكلام كإسطوانة مشروخة، أحسست بالضيق والملل، فصحت بصوت حاسم : هى أيه الحكاية، إنتوا جايبينى أقعد أتسامر معاكو والا أيه، حاول أحدهم بلؤم أن يثنينى عن عملية الكشف على الجثة، بحجة أن المرحوم كان مريضا، ومافيش داعى لتعبى.
حسمت الأمر بالنهوض واقفا والتوجه مباشرة الى الغرفة التى بها الجثة، إستحضرت من الذاكرة كل التعليمات التى علموها لنا، يجب ان يكون الضوء داخل الغرفة ساطعا، لا تسمح لأحد بالتواجد معك أثناء الكشف الاّ شخص واحد، إمرأة إذا كانت المتوفاة أنثى، وذكرا إذا كان رجلا، إحرص على أن تجرد الجثة من جميع الملابس ودقق فى كل جزأ منها، وإستحضرت كل خبرتى وما درسته فى هذا الشأن.
بعد تجريدى للجثة من الأسمال التى فوقها، ظهر لى لون الجسد وقد إكتسى زرقة لا تخطؤها عين، إذن هو السم ولا شيئ غيره، تعمدت الا يبدو على وجهى أى إنطباع، مددت يدى لأعيد الغطاء على الجسد المسجى، وأسرعت الخطى خارجا من باب الدار، وفى أعقابى عم"عبد الرحمن"، وسرعان ما لحقنى من كانوا فى المندرة ،أحاطوا بى متسائلين:- هو فيه أيه يا دكتور، ليه ماكتبتش تصريح الدفن، تعللت بأننى نسيت الدفتر فى الوحدة الصحية، وطلبت منهم أن يرسلوا أحدا لأخذه منى هناك، وواصلت سيرى مسرعا.
فى الطريق حكيت شكوكى لعم عبد الرحمن، لم يعلق وأيّدنى فى موقفى، ما إن عبرت الجسر المؤدى الى الوحدة حتى كان شاب صغير ينتظرنى عند البوابة على عجلة، عرفت أنه حضر لإستلام التصريح، دخلت الى مكتبى وهذا الشاب فى أعقابى، ما إن جلست على الكرسى وأحسست بالأمان حتى صحت فيه، موجها السباب لكل هؤلاء الفلاحين الملاعين الذين يريدون توريطى، وأننى سوف أبلغ النيابة والطبيب الشرعى للتحقيق فى حادثة القتل.
كنت أرغب فى إيصال هذه المعلومة للجميع، فى إنتظار ردود الأفعال قبل إتخاذ قرار التبليغ، كان قرارى نهائيا ولكنى كنت فى حاجة فقط لتفسيره للآخرين الذين أعيش بينهم، وتجمعنى بالكثير منهم صداقات عميقة،،، ولم يطل إنتظارى طويلا.
سرعان ما أبلغنى عم عبد الرحمن أن العمدة ومعه مجموعة كبيرة من الأعيان يقفون على البوابة حتى أأذن لهم بالدخول، أسرعت خارجا لأفتح لهم بنفسى مرحبا بهم فى السكن المخصص لى، وما أن جلسوا حتى بادر العمدة بالحديث معتذرا لى عما حدث، وأنه لم يكن مقصودا، القصة أن هذا الشاب التعيس كان يعمل باليومية فى مقاومة دودة القطن، وأنه بعد الإنتهاء من مرحلة المقاومة اليدوية يتم بدء المقاومة الكيمائية بالمبيدات، وكان الفقيد يقوم برش المبيد، ودخلت كمية منه بطريق الخطأ الى فمه، ورغم المحاولات التى أجريت لإنقاذه عن طريق تقييأه وشربه للبن الاّ أن قدر الله كان أسرع.
وإستمر العمدة فى الحديث دون أن أقاطعه، معتبرا أن ما حدث قضاء وقدر، وأن الولد غلبان ويتيم، وأنه إذا جرى تحقيق من قبل المسؤولين سيجازى أناس أبرياء مثل مهندس الجمعية الزراعية، وخولى الأنفار وآخرين، وبعد إنتهاء العمدة من حديثه تكلمت، قلت أنه كان يجب مصارحتى بالحقيقة منذ البداية دون محاولة خداعى، وأن مثل هذه الموضوعات لا يمكن عدم الإبلاغ عنها لأنها قد تسبب ضررا لا يمكن تعويضه بالنسبة لوضعى ومستقبلى الوظيفى، وانتهى اللقاء بعدم الإتفاق لكن إحتفظ كل طرف بإحترام الطرف الآخر.
بعد أن ودعتهم الى البوابة كما إستقبلتهم، وبينما أستدير عائدا فى الظلام، لمحت كتلة سوداء تتحرك ببطأ نحو البوابة، تبينت فيها إمرأة عجوزا، تمهلت قليلا وعدت أدراجى لأعرف ما الخبر، مدّت يدها من خلال الباب لتقبض على يدى بقوة، بوجه مغضّن وعينين غائرتين نظرت الى، وبصوت واهن مرتعش بدأت الكلام، أنا يابنى أم المرحوم، من يوم ما مات أبوه وهو حتة لحمة حمرا لم يبق لى فى الحياة غيرة، تصدق اننى كنت حتى الآن أقوم بتحميمه وتلبيسه، ولا ينام الاّ فى حضنى رغم أنه أصبح رجلا، أرجوك يابنى، أبوس إيديك مش عاوزة ابنى يتشرّح.
وبقوة لا أعرف من أين أتتها جذبت يدى بعنف لتقبلها، أحسست بدموعها على ظهر كفى، لم أستطع المقاومة، مسحت دموعى بظهر يدى لتختلط بدموعها فى مشهد درامي شديد القسوة، وشعرت بصعوبة بالغة، وعجز كامل عن اتخاذ موقف.
تركتها عند الباب وأسرعت لألحق بعم عبد الرحمن فى الداخل ليحل لى هذه المعضلة، شرحت له اننى لا أريد التبليغ لكننى أخشى العاقبة، صمت طويلا ثم رفع رأسه قائلا:- خلاص خلاص يا دكتور ولا يهمك، خليهم يدفنوا من غير تصريح، ولا كأنك عرفت خبر، حدّها أيه إذا إنكشف الموضوع فى أى يوم، يدفعواغرامة دفن بدون تصريح.

Wednesday, November 11, 2009

لماذا تطالب الحكومة المصرية بعودة الآثار المسروقة ولا تطالب بعودة رفات عبد الله النديم ؟




الموّال
..
يا لولا دقة إيديكى ما انطرَق بابى

طول عمرى عارى البدن.. وإنتى جلبابى
.
ياللى سهرتى الليالى يونّسِك صوتى



متونِّسة بحسّ مين يا مصر فى غيابى؟
.......
أدباتى أراجوز نديم أهلى وخلانى

زجّال مهرِّج مركّب صوتى فى لسانى



وصحيت لقيتنى اعرفك وإنتى عارفانى



جرّانى من موكب الضايعين وحطانى



على أعلى منبر يهزِّك صوتى ولسانى


ياللى فطمتى النديم ردّيه صغير السنّ

بسكّت الجرح يسكت ينطق التانى

الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى
■ ■ ■


أثارت وزارتى الثقافة والخارجية المصريتين جلبة واسعة حول ضرورة اعادة بعض الآثار التى تم سرقتها من قبل بعض لصوص الآثار والتى تم عرضها بمتحف اللوفر فى باريس، وصرح زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بوقف التعاون مع متحف اللوفر حتى عودة الآثار المسروقة، ووقف اعمال بعثة اللوفر فى مصر، وصدر بيان عن متحف اللوفر يعلن فيه أنه بصدد اعادة هذه الآثار।
إن قصة سرقة الآثار المصرية قديمة ومكررة، منذ زمن عهود الفراعنة وحتى الآن، وقصص لصوص المقابر قديمة قدم الفراعنة، ولكن الطريف هو اهتمام الفاتحين العرب بالإستيلاء على ما تحتويه هذه المقابر الفرعونية، ومنها اصدار عمرو بن العاص اول والى على مصر فى عهد عمر بن الخطاب مرسوما بمعاقبة اى مصرى يخفى كنزا أو "خبيئة" مما توجد فى باطن الأرض، وتسليمها له، بل الأطرف ما قام به الخليفة المأمون بن هارون الرشيد على الرغم من عظم ثراء الدولة العباسية فى هذا الزمن، من استقدام عمال مدربين لإحداث فتحة فى هرم خوفو بقصد الحصول على كنوز الفرعون الموجودة به، هذه الفتحة التى ما تزال توجد وتستخدم حتى الآن باسم فتحة المأمون.
ولكن النهب الأكبر والمنظم تم فى القرن التاسع عشر، وخاصة بعد صدور كتاب "وصف مصر" بواسطة علماء الحملة الفرنسية، حيث بدأ اهتمام الغرب المكثف بالآثار المصرية، وبدأ المغامرون والأفاقون والتجار فى أكبر عملية نهب منظم لهذه الآثار تحت سمع وبصر الحكومات المتعاقبة منذ حكم محمد على وحتى الآن، ويجادل البعض بأن بقاء هذه الآثار فى متاحف العالم المختلفة مفيد من حيث أن الملايين يشاهدونها ليدركوا أهمية هذه الآثار وعظمة وتفوق تاريخنا الغابر وأنها أفضل وسيلة لجذب السائحين لزيارة مصر، ولكن هذا لا ينفى أهمية العمل على إسترداد هذه التحف الأثرية الى بلادنا للعرض فى متاحفها الأصلية ويمكن عرض نماذج منها بشكل منظم فى مختلف البلدان، ولعل وجود المسلات المصرية شامخة فى أهم العواصم العالمية دليلا على هذه العظمة، وعلينا العمل بإستمرار على إعادة هذه الآثار الى مصر وعلى رأسها رأس نفرتيتى المعروضة فى متحف برلين وحجر رشيد القابع فى متحف لندن.
هذه القضية بالرغم من أهميتها لا تنفى قضية أخرى مهمة وهى السعى لحث الحكومة المصرية على المطالبة بعودة رفات النديم ليدفن فى أرض مصر مسقط رأسه والتى أفنى عمره دفاعا عنها وفى سبيل تحررها ونهضتها.
ولد عبد الله النديم بقرية الطيبة بمحافظة الشرقية عام 1845 وتربى وترعرع بمدينة الأسكندرية التى إنتقل اليها والده للعمل بترسانتها حيث كان يعمل نجارا، وقد لمح ابوه فيه علامات النبوغ فألحقه بمسجد ابراهيم بالأسكندرية ليتلقى العلوم الدينية ولكن اهتمام الفتى بالأدب جعله يتجه الى كتابة الشعر والزجل واهمال الدراسة الدينية ليتحول بعدها الى دراسة التلغراف هذا الوافد الجديد وذلك ليكتسب صنعة يتعيش منها، ثم عمل فترة فى مكتب للتلغراف بمدينة بنها بعدها انتقل للعمل فى قصر الوالدة باشا أم الخديوى إسماعيل، حيث اعطاه وجوده فى القاهرة الفرصة ليتعرف برجالات الأدب والفن والثقافة ولكن روحه المتمردة على الوظيفة سرعان ما أدت به الى الإصطدام بالرجل القوى فى القصر "خليل أغا" و أدى ذلك الى فصله من وظيفته، فيذهب الى المنصورة ليعمل فى التجارة، ولا يستقر بها طويلا حيث يتنقل بين عدة مدن فى الدلتا ليستقر به المقام أخيرا بالأسكندرية مرة أخرى فى عام1876 إبان صعود الحركة الوطنية لينخرط فى أتونها وينضم الى منظمة وطنية سرية متطرفة عرفت بإسم "مصر الفتاة" تطرح مشروعا للإصلاح الوطنى والدستورى، وينشط فى الكتابة فى الصحف التى بدأت فى الإنتشار فى عهد الخديوى إسماعيل داعيا الى تحرير الارادة المصرية من ربقة النفوذ الأجنبى، ويشارك فى تأسيس "الجمعية الخيرية الإسلامية" ويتولى إدارة مدرستها بالأسكندرية وينشأ حركة مسرحية بالمدرسة ويقوم بتأليف وعرض العديد من المسرحيات منها مسرحيته "الوطن" ويساهم فى تأسيس الحزب الوطنى الذى سيقود حركة الكفاح المصرية خلال العقود المقبلة.
وفى صيف سنة 1881 أصدر الرجل صحيفة أسبوعية أسماها " التتكيت والتبكيت " انتهجت خطا وطنياً واضحاً وأسلوباً أدبياً ساخراً وكان عبدالله النديم مهموماً فى صحفيته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبناءه للارتفاع بشأن البلاد وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية فكان من الطبيعى أن ينضم عبدالله النديم إلى صفوف الثورة العرابية ويساند أهدافها الوطنية وقد وجد العرابيون فيه سنداً لهم بكتاباته الوطنية الحماسية وانتقل النديم إلى القاهرة ليكون فى قلب الأحداث والتقى بأحمد عرابى زعيم الثورة حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقارا يلائم عقلية عرابى العسكرية المحافظة وأصدر عبدالله النديم صحيفة " الطائف " من القاهرة لتحل محل " التنكيب والتبكيت " ولتصبح لسان حال الثورة العرابية وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق.
وخلال الثورة العرابية أو كما يسميها العوام "هوجة عرابى" برز إسم النديم كخطيب للثورة، يلعب الدور الأبرز فى تحريك مشاعر الجماهير والجنود، ويلف البلاد طولها بعرضها محركا ومهيجا وخطيبا لها، والمعبر الأول عن أفكارها.
وبعد انكسار عرابى وفشل الثورة هرب النديم هائما فى قرى مصر وصقوعها متخفيا فى عدة شخصيات يحتمى بالبسطاء من أبناء هذا الشعب فى قصة هروب ملحمية طويلة، لمدة تسع سنوات كاملة قضاها بين أحضان الشعب الذى حماه بالرغم من رصد قوات الإحتلال مكافأة ضخمة (عشرة الآف جنيه ) لمن يدلى بمعلومات تؤدى الى القبض عليه، هذه القصة التى سجلها الكاتب العبقرى للراحل "ابو المعاطى أبو النجا" فى روايته الفريدة العودة الى المنفى، لينتهى به المطاف فى طنطا ويتم القبض عليه وعرضه على وكيل نيابة وطنى هو الشاب وقتها "قاسم أمين" الذى يعانقه ويقبله فى مشهد من أروع مشاهد الوطنية المصرية.
أحب النديم الشعب فأحبه الشعب، وحماه بنور العين حتى أن الكثيرين ممن التقوا بالنديم في تلك الفترة وعرفوه ترفعوا عن الصغائر، ولم يبلغوا عنه، بل ساعدوه على قدر الإمكان، بل أكثر من هذا كان بعض المسئولين في جهاز البوليس يتسترون على النديم إيمانًا بالثورة وحبًا في النديم كإنسان أيضا، فمأمور مركز السنطة يقابل النديم وجهًا لوجه ولا يقبض عليه مخاطرا بوظيفته كمأمور، بل ويمنحه مالا من جيبه ليساعده في هروبه، وكاتب مركز السنطة أيضًا،- وكان النديم مختفيًا في قرية الجميزة مركز السنطة- يعرف أين يوجد النديم فيكتب إليه أبياتاً من الشعر تقول
ولقد نذرت إذا لقيتك سالما لأقبلن مواطئ الأقـــدام
ولأثنين على سجاياك التي حثت على التحرير والإقدام
وبعد القبض على النديم فى طنطا أمر الخديوى توفيق بالعفو عنه لإنقضاء العقوبة ونفاه الى عكا بفلسطين وبعد تولى الخديوى عباس حلمى الثانى الحكم عفا عنه فعاد الى مصر واصدر صحيفة "الاستاذ" ذات الروح الوطنية مما أوغر عليه صدر اللورد كرومر المعتمد البريطانى فيؤمر بنفيه الى الأستانة ، وهناك يواصل نضاله الوطنى ويصاب بمرض السل ليموت وحيدا ويدفن هناك.
تلك الرحلة الطويلة لرائد فذ من رواد الحركة الوطنية المصرية وهب حياته وروحه حتى آخر رمق فى حب هذه الأرض والدفاع عنها ضد سيطرة الأجنبى ورأس المال عليها.
وأخيرا أليس من حق مصر أن تطالب بعودة رفات النديم ليدفن فى أحضان هذا الوطن الذى أعطاه حبه وحياته دفاعا عنه، فى إعتقادى أن حكومة السيد أردوغان لن تمانع فى عودة رفات هذا البطل ليعاد دفنه فى حفل شعبى ورسمى يليق به، أم أنها فقط تطالب بعودة الآثار المسروقة وتنسى تاريخ واحد من أبطال مصر العظام القائل:

أهل البنوكا والأطيان
صاروا على الأعيان أعيان
وابن البلد ماشي عريان
ممعاه ولا حق الدخان

Monday, October 26, 2009

اسكندرية


اسكندرية مارية
عروسة حلوة وصبية
عالبحر الابيض تنوّر
تضوى كما الكهرمان
والحب يملا المكان
ويعدى كل البحور
ينشر حضارة ونور
فى كل عصر وأوان
وبسحر عينها الشقية
تسبى عموم الخلايق
من الصعيد للمضايق
والمستخبّى يبان
وبكف ايدها العفية
تزرع غيطان المحبة
وتخّلى ورد الحدايق
بعطره يملا المكان
يطرح على الانسانية
ضل ومحبة وأمان
يا اسكندرية يا روحى
يا حب ساكن جروحى
ارمى السلب الحقينى
دا نا غريق من زمان
أنا قتيلك وقلبى
شايل حمولك معبّى
والعشق لو حوصفولك
يفتح جميع البيبان
يام العيون الجريئة
يا مالكة كل الحقيقة
من يوم ظهور الخليقة
لحد آخر الزمان
قوليلى وصفة لدائى
تنفعنى يوم التلاقى
ماللّى مضى واللّى باقى
من عمر عدى وكان
بنتاؤور

Friday, October 02, 2009

الحب المستحيل


وكان عليك أن ترحل
وتنسانى
وتتركنى لأحزانى
وتنسى ان تكون عرفتنى يوما
وعشنا وهم قصة حب
عليك الآن أن تنسى
وتمحو كل ما قد كان فى الماضى
وتنساه وتنسانى
فمثلك بُعده أفضل
ومثلك يستحيل العيش فى قربه
وظل الحيط أفضل منك
إذن فارحل ولا تبقى هنا لحظة
فكل الحب كان سرابْ
وأكذوبة
فدعنى كى أعيش الآن
وفك إسار أغلالى
أغرد فى الهواء الطلق
وأحلم بالحياة بدون قيد منك
أو غيرك

Thursday, September 24, 2009

ذكريات هزيمة


كان ذلك فى صيف 1967 حين وقعت الكارثة، التى زلزلت كل الواقع العربى، وسببت وما تزال تغيرات عميقة الجذور فى جيل بأكمله، تلك التى سماها هيكل لعبد الناصر" نكسة"، محاولة منه للتخفيف من هول ما حدث، ربما سعيا منه لتخفيف المسؤولية عن أصفياؤه من سدنة الثورة ، بإدعاء أن شعوبا كثيرة قبلنا تعرضت لما هو أخطر، على كل حال تلك قصة أخرى ربما أعود اليها وتحتاج لأكثر من مقال ولكن فى ظرف آخر.
كان العام الأول لى بمدينة الأسكندرية، كنا فى نهاية العام الدراسى ( إعدادى طب) فى كلية العلوم بالشاطبى، ذلك الحى الراقى الهادئ، كنت وزميل الطفولة جمال عبد الفتاح نسكن معا بشارع تانيس بكامب شيزار، كان الوالد يرسل لى عشرة جنيهات شهريا يقتطعها كما يقولون من اللحم الحى، أدفع منها أربعة للسكن، وتبقى ستة جنيهات للمأكل والملبس ومصاريف الدراسة، كنا نطوى أوراق الدراسة إستعدادا لإمتحان نهاية العام حينما بدأت الأحداث بالتصاعد، عبد الناصر يؤمر بإغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية، طلب مصر الى الأمم المتحدة بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، حشد القوات المصرية فى سيناء، تصاعد محموم فى المواقف والتصريحات، ونذر الحرب تلف المنطقة.
الحشد الإعلامى يتصاعد الى الذروة، المعنويات فى السماء، الأغانى الثورية تملأ المكان، " أحلف بسماها وبترابها"، " عبد الناصر ياحبيب ..بكرة ندخل تل أبيب"، " فى البحر حنحدفكم فى البحر"، وصوت أحمد سعيد يجلجل فى صوت العرب، رسائل التأييد تنهال على عبد الناصر، فجأة يصل الى القاهرة الملك حسين بعد طول عداء، يوقع اتفاقية بوضع قواته المسلحة تحت تصرف عبد الناصر، ويعود الى الاردن بصحبة عدوه اللدود أحمد الشقيرى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، كانت القناعة الوحيدة لدى الجميع بنصر حاسم وسريع وإزالة الكيان العنصرى،واعتبار ان هذه الحرب مجرد نزهة.
كان نظام السكن المفروش للطلبة بالأسكندرية من شهر سبتمبر الى نهاية شهر يونيو، ويترك الطلبة السكن فى أشهر الصيف لكى يستمتع به أصحابه أو يؤجرونه مصيف، كانت امتحانات الجامعة لهذا العام تنتهى قبل منتصف يونيو، كنا خمسة أفراد بالشقة، أنا وجمال فى غرفة، الثانية بها طالبين من بورسعيد، أما الثالثة فكان فبها موظف فى شركة المقاولين العرب من قريتنا اسمه "عبدالله الحاذق"، آثر الزملاء فى الشقة أن نغادرها فى منتصف الشهر تقليلا للمصاريف، بحيث يتم دفع إيجار نصف شهر فقط، وافق البواب (المؤجر)على ذلك، ولكن فى صباح 5 يونيو إشتعلت الحرب، وأعن توقف الدراسة والإمتحانات، قرر الزملاء مرة أخرى الرحيل المباشر الى مدنهم وقراهم، تم إستدعاء البواب على عجل، ودفع ايجار الخمسة أيام، وغادروا مسرعين، بينما قررت البقاء.
فى الطريق الى الجامعة كانت المظاهرات صاخبة، كلما إقتربت من مبنى الإعدادى بالقرب من مبنى اتحاد طلاب الجامعة بالشاطبى كانت التجمعات تكبر والمظاهرات تزداد حدة، انضممت الى احدى المظاهرات، كانت الشعارات المرفوعة تزداد هستيرية مع كل اعلان عن اسقاط طائرة اسرائيلية جديدة، بلغ العدد المعلن عنه 75 طائرة، الحناجر تزداد التهابا، أنزلت الجموع احد المتظاهرين الذى يردد" عبدالناصر يا حبيب..بكرة حندخل تل أبيب" ورفعت آخر أكثر إستعجالا يردد"عبدالناصر يا حبيب..دلوقتى إحنا فى تل أبيب"، توجهت الجموع وأنا معهم الى الداخل لتسجيل الأسماء فى كشوف التطوع، تم تقسيم المتطوعين الى مجموعات، جاء إسمى فى مجموعة للتدريب بمبنى مدرسة النصر للبنين بالشاطبى.
كان عددنا حوالى الثلاثمائة ويقوم على تدريبنا عميد من الدفاع المدنى مع عدد من الضباط والصف ضباط، تم تسليمنا بنادق آلية، وذخيرة حية، وبدأ تدريبنا النظرى على فك وتركيب البندقية مع دراسة مكوناتها، مع محاضرات نظرية عن المقاومة الشعبية، وبرامج تعبئة معنوية، بعد يومين تم تقسيمنا الى مجموعات صغيرة للقيام بالحراسة الليلية لبعض المنشآت الحكومية، كانت مجموعتى مكلفة بحراسة مصنع بيرة الأهرام"ستيللا" بكامب شيزار.
كنا مجموعة مختلفة المشارب والإنتماءات، وكان معنا متطوعون من الطلبة العرب الدارسين فى مصر، لكن تجمعنا معا الروح الوطنية المتوقدة، والرغبة فى تقديم اى شيئ من أجل المعركة، بعد مرور اليوم الثانى بدأت بعض الأخبار غير المطمئنة، حديث عن الإنسحاب الى خط الدفاع الثانى، كلام عن صد هجوم اسرائيلى مدرع شمال العريش، بدأت الهواجس والأفكار تحوم حول شيئ ما غير طبيعى يحدث، لكن العقول المفعمة بالحماس والواثقة من قيادتها حتى النخاع تأبى أن تصدق هذه الإشارات، لابد أن هنالك شيئ ما يدبر لا نعلمه، ربما ما يحدث تكتيك حربى سرعان ما نعرف كيف تم التخطيط له، لكن بقى فى النفس شيئ.
يوم الثامن من يونيو سهرنا حتى الصباح أيضا، قضينا ليلتنا فى الشارع فى نوبة حراسة، حاول البعض كسر حدة الموقف ببعض السمر، لكن البهجة تجمدت فى العيون، سرعان ما لف الجميع نوبة صمت.
فى اليوم التالى إستمرت التدريبات فى المعسكر، كان الجميع يتحرك بآلية، دون القدرة على النظر فى عيون بعضنا، توقفت الإذاعة والتلفزيون عن القاء البيانات العسكرية الحماسية، بدأت تذاع أغانى وطنية ومارشات عسكرية، أغانى معظمها تمجد الروح الوطنية مثل"مصر التى فى خاطرى" و"وقف الخلق جميعا" لأم كلثوم، و مثل "وطنى أحببتك يا وطنى" و" أخى جاوز الظالمون المدى".
فى حوالى الثالثة بدأ يذاع بيان يتكرر كل دقائق عن حديث للرئيس عبد الناصر فى الثامنة مساءا، بدأت القلوب ترتجف، كان خيط الأمل الضعيف الباقى أن يعلن الإنتصار العظيم على إسرائيل، بدأ قائد المعسر فى التهيأة للحدث، طلب منا التجمع فى قاعة التلفزيون للإستماع الى الخطاب، منذ السادسة بدأنا فى التحولق جميعا حول الشاشة الصغيرة، لم يتأخر عن الموعد، أطل بوجه مكفهر مهزوم، بصورة لم نتعودها سابقا، وبعبارات حزينة وصوت مجروح ليعلن الهزيمة، وكما سماها وحاولوا ترويجها "النكسة"، وليعلن عن تنحيه وتكليف"زكريا محيى الدين" برئاسة الجمهورية، لحظتها بدأ جميع الحاضرين بالنحيب بصوت مسموع، سرعان ما تحول النحيب الى عويل، حدثت حالات إغماء، وحاول أحدهم إطلاق النار على نفسه، لكن قائد المعسكر تصرف بشكل حازم ومسئول، بصوت عال وحاسم خاطب الجميع، أن يتوقفوا عن هذا الإنفعال ويتصرفوا كرجال، وطلب منا أن ننتظم فى طابور العلم، حيّا العلم وهتف بحياة الجمهورية العربية المتحدة وبحياة رئيسها زكريا محيى الدين، كانت أصوات الناس فى الشوارع تعلو، وسمعنا أصوات مظاهرات من بعيد، أدرك قائد المعسكر الموقف، قال اننا لا نعرف ما يحدث الآن فى الشارع، ولا نعرف ردود فعل الناس، ربما يحاولون الهجوم علينا للحصول على السلاح، وطلب منا الإنصراف فى هدوء، وتجنب السير فى الشوارع الرئيسية خوفا من غضب الجماهير، على أن نعاود التدريب صباح الغد.
سرت فى شوارع الأسكندرية حاملا بندقيتى على كتفى فى طريقى الى البيت، الشوارع مظلمة تماما لحظر الإضاءة، هدير الجماهير ينساب من كل الجهات، الصراخ يختلط بالعويل بالهتاف بالبكاء، حالة من الهيستيريا لا يمكن وصفها، وشعور بالتعب والإرهاق والإعياء يسيطر على، فكرة واحدة تلح على بقوة، هذا الرجل هو المسئول عن كل ماحدث، فليذهب الى الجحيم، لقد خدعنا جميعا ولا يمكن أن يخدعنا ثانية.
وصلت الى المنزل فى شارع تانيس، الشارع مظلم، البيت مظلم، السلالم مظلمة، أجّر قدمى بالبيادة الثقيلة على السلم، أتحسس ثقب المفتاح فى الظلام، أدلف الى الشقة مغلقا الباب بقدمى، أتقدم الى غرفة نومى، ألقى بنفسى على السرير بملابسى الميرى والحذاء، وأنهار فى بكاء طويل.
لا أعرف كم من الوقت بكيت، ولا متى غلبنى النوم، فتحت عينى على نور النهار يملأ المكان، وصوت المظاهرات فى الشارع لا ينقطع، شعرت برأسى ثقيل، وضعت رأسى تحت الحنفية لمدة، تحركت ببطأ لألبس ملابسى، وجدتنى فى محطة مصر، ركبت القطار عائدا الى قريتى.

Thursday, June 18, 2009

دكان شحاتة .. والواقعية المصرية


لاشك أن ما يصنعه "خالد يوسف" وكوكبة من السينمائيين المصريين يعد فتحا جديدا فى تاريخ السينما المصرية والتى تجاوز عمرها المائة عام.
فكما شق روسيللينى وفيسكونتى ودى سيكا الطريق الى الواقعية الإيطالية فى أربعينيات القرن الماضي والتى تميزت بنزوعها نحو تصوير الواقع كما هو بأدوات إنتاجية بسيطة وبممثلين فى الأغلب غير محترفين والتى نزعت الى التصوير الخارجي أو الميداني.
على أن سمات هذا الشكل الواقعي الحديث فى السينما المصرية هو اختفاء اللقطات الطويلة الثابتة والديالوجات الطويلة لحساب سرعة حركة الكاميرا وتطور المونتاج, كما لم يعد للرقصات والأغاني الطويلة مكان وصار الإعتماد أكثر على الكليب المصور مع خروج الكاميرا أكثر ورصدا حركة الشارع فيما يشبه اللقطات التسجيلية والوثائقية, وكذلك التجرؤ على المحرمات الثلاث ( الجنس والدين والسياسة ), وقد شق هذا الطريق باقتدار المخرج العالمى يوسف شاهين فى مرحلته السينمائية الأخيرة, وأكمله مجموعة متميزة من المخرجين الشبان وعلى رأسهم خالد يوسف والذى ما زال يغرد بعيدا على القمة, مستفيدا من إمكانية حرفية عالية, وتوظيف لهذه الإمكانيات بأعلى درجة, مع رؤية درامية منسجمة مع فكره السياسى الذى يعلنه بصراحة ووضوح دائما, وإقتحامه المباشر للأحداث الساخنة والملغومة بجرأة يحسد عليها, مع إستفادته من مستوى عال من التأليف السينمائى لناصر عبد الرحمن, الذى كتب له سلسلة أفلامه الأخيرة ومنها "دكان شحاتة". ومع متابعتنا لشريط الفيلم نجد أن أعلى منطقة فيه هى الربع ساعة الأولى مع نزول تتر الفيلم ومانشيتات الصحف واللقطات الثابتة للأحداث السياسية والإجتماعية التى مرّت بها مصر منذ نهاية عصر السادات وبدأ الشريط بالعنبرة فى السجن احتفالا بخروج شحاتة بعد انتهاء سجنه, وبخروج "شحاتة" وصدمته الأولى بإقتحام الجياع لقطار يحمل شحنة قمح مع عجز الأمن المركزى عن التدخل, تبدأ الدهشة أو الصدمة الأولى بحجم التغيير.
على أن خالد يوسف كعادته فى أفلامه السياسية الأخيرة ( فوضى وميسرة) يحاول أن يحشد كل ما يشغله من موضوعات وما يراه من مشاكل فى شريط واحد, هذه المشاكل التى تتعلق بانهيار القيم وتدهور الإقتصاد والتخلف الإجتماعى, متمثلا ذلك فى انهيار الخدمات الصحية (وفاة أم شحاتة, مرضى الأورام...), والتعليم (تحرش الأساتذة بالطالبات والدروس الخصوصية....), العنف ضد المرأة (مشهد فض بكارة بيسة, ميراث المرأة...), الفساد السياسى (تزوير الإنتخابات, التطبيع...), الإنهيار الإقتصادى والقيمى (بيع مياه الشرب بالقرى, معارك الخبز....), وعشرات الموضوعات (العبّارة, الدويقة, حريق مسرح بنى سويف, اقتحام معبر رفح, حريق قطار الصعيد, أحداث الأمن المركزي...).
تم حشر كل هذه الموضوعات وغيرها الكثير من خلال فيلم حوالى الساعتين متناولا مساحة زمنية تمتد من 1981إلى 2013 حيث ينتهي الفيلم بصورة شديدة السوداوية لعمليات قتال بالجملة فى الشوارع يشارك فيها الجميع ضد الجميع بالأسلحة البيضاء, فيما يشبه الحرب الأهلية, وبطريقة تبشر بالخراب القادم فى الأعوام القليلة القادمة بطريقة شديدة التشاؤم مع عدم رؤية أى بصيص ضوء فى نهاية النفق.
يرمز المؤلف والمخرج بالطبع بالدكان الى مصر, والتى تركها الأب أمانة فى يد أبنائه, ليبيعها ابناؤه الأشرار بواسطة الغير(ابن الدكتور مؤنس) القادم من وراء المحيط (أمريكا؟), الى عدوهم, ليرتفع عليها العلم الإسرائيلى كسفارة للإسرائيل فى مصر, بعد أن استلبوا ميراث أخوهم الطيب واغتصبوا خطيبته.
والفيلم عبارة عن خلطة مكثفة من العنف والجنس كتوليفة تجارية ناجحة تم استخدامها بتقنية عالية لإحداث أكبر فرقعة وجذب المتفرج الى شباك التذاكر, الجنس الذى جسّدته أحدى اشهررموز الإغراء فى العالم العربي (هيفاء وهبي ) بطريقة مقحمة ومفتعلة, مثل الرقصة الخليعة لخطيبها وهى البنت الصعيدية أو الحلم الذى جمعهما فى السرير معا.
كما كان للعنف والمعارك المجانية وغير المبررة نصيب كبير فى الفيلم, استعرض فيها المخرج مواهبه الفنية بطريقة مبالغ فيها, فهذا الإنسان الطيب الى حد البلاهة "شحاتة" يفاجئنا بإمكانيات قتالية غير عادية, لا ندرى متى وأين تعلمها, حتى أن شخصية هامشية مثل" البرص" يملك أيضا مواهب قتالية استعراضية, معارك يعمد المخرج الى إقحامها على الفيلم بمناسبة ودون مناسبة.
القصة كما حاول المخرج والمؤلف الايحاء بها هى توليفة من قصة سيدنا يوسف وإخوته, وتفضيل الأب لأحد أبنائه على بقية اخوته, مما أوغر صدورهم عليه, وأشعل الرغبة فى الانتقام منه, ومن قصة قابيل وهابيل, أو الشر فى مقابلة الخير, وغيرها.
حاول خالد يوسف فى هذا الفيلم كما فى أفلامه السابقة أن يؤكد وجهة نظره السياسية, وهى وجهة نظر أحادية الجانب وساذجة, وملخصها أنه بوفاة عبد الناصر وصعود السادات الى السلطة أنهار كل شيء, الاقتصاد والسياسة والقيم والأخلاق, والذى لم يدركه أنه وبرغم الفروق بين الرجلين الا ان الثانى هو امتداد للأول بصورة أخرى, وأن التطور التاريخى عملية معقدة لا تتم بشكل مباشر ولكن بشكل حلزوني صاعد, عموما ليس هذا مجال التنظير, ولكن احتفاظ الأب بصورة عبد الناصر, ومحاولة الابن أن يغطى بها الشرخ الذى أحدثه السادات فى جدار مصرولكن الشرخ كان أكبر من أن تغطيه صورة الزعيم , ومشهد شحاتة وهو ينظر الى صورة عبد الناصر فى ويقول(وحشتنى قوى يا بوى).
عموما يحسب لهذا الفيلم الكاميرا الجميلة والمتقنة لأيمن ابو المكارم, وكذلك ديكور حامد حمدان الذى جسد من خلال الدكان والقصر فى صور متقابلة وحقيقية, أما التمثيل فقد أجاد محمود حميدة فى دور الأب حجاج, وغادة عبد الرازق فى دور الأخت المغلوبة على أمرها نجاح, وأعجبنى كذلك صبرى فواز فى دور "طلب",أيضا رامى غيط فى دور " البرص", كما لعبت موسيقى يحيى الموجى وغناء أحمد سعد دورا شديد الحيوية فى الفيلم , كما كان لأشعار "جمال بخيت الرائعة والتى فاجئتنا بقوتها وقسوتها معا دورا أساسيا فى إكمال الإحساس بالواقعية المجردة..
سقطت هيفاء وهبى فى أول إختبار لها على الشاشة, وعموما فقد وظّفها المخرج كعنصر إغراء وجذب الى شباك التذاكر, ولكنها لم تستطع أن تملأ هذا الدور, شتان بينها وبين الفنانة المبدعة هند رستم فى أعمال مثل "باب الحديد", ولكن مما يحسب لهذه الممثلة أنها تحاول رغم محدودية موهبتها أن يكون لها مكان على الساحة الفنية, من خلال ذكائها الإجتماعى واستغلال إمكانياتها الجسدية, كما كان عمرو سعد أشبه بالبلهاء والمغيب عن الواقع المحيط به, ولم يقنع أحدا بدور الطيبة الذى حاول المخرج أن يرسمه له, بل كان أشبه بالمتخلفين عقليا, وجاء تقليده لأحمد زكى فى المشاهد الأخيرة باهتا.ا.
كذلك فإن تصميم المخرج أن يجعل من فنان جيد مثل عمرو عبد الجليل بلياتشو أو مهرج من حيث طريقة النطق بكلمات مقلوبة وغير مفهومة تماما كما صنع معه في فيلم حين ميسرة هو شيئ سيئ ويحسب عليه وليس له.
كما أن لقطة الدراويش فى حلقة الذكر وتشتيتهم البصرى بسيقان هيفاء وهبى لم يكن لهذه اللقطة داعى, وكان من الأفضل حذفها فى المونتاج مع عدم التأثير على الفيلم.
على أن الفيلم ومخرجه حاولا أيضا أن ملامسة ميلودراميات يوسف بك وهبى ان يحاول إستدرار الدموع فى مشهد النهاية, استكمالا لتيمة الفيلم التجارية.
على أن الفيلم بمحمله جيد ويعد نقطة هامة فى تطور السينما, وعلامة مضيئة على السينما الجديدة فى مصر.
خلاصة القول فإن الشجر المثمر وحده هو ما يتعرض للقذف بالأحجار, ولولا أن هذا الفيلم جاد وجيد لما استحق كل ذلك الجدل.
فى النهاية خالد يوسف شكرا.

Tuesday, June 16, 2009

جريشة..حكاية بطل شعبى




دائما ما يحلم الفقراء بالمخلّص, البطل القادم من وراء الغيب, الذى ينتقم لهم من ظالميهم, ويأخذ لهم بثأرهم من مغتصبيهم, وقد إبتدعت الشعوب هذه الشخصيات الأسطورية منذ أقدم العصور, أوزوريس في الأسطورة الفرعونية, وجلجامش في البابلية, وشمشون في الميثالوجيا التوراتية, وهرقل في الأسطورة اليونانية, وأبو زيد في تغريبة بني هلال, والأمثلة لا نهاية لها.
وفى الحلم الشعبي فإن البطل دائما قريبا منهم, من نفس مستواهم االطبقى, وهو دائما يمثل الخير فى مواجهة الشر, و الذي ينتصردائما فى النهاية .
على أن بطلنا هذه المرة هو بطل حقيقي, وليس من صنع الفقراء, إنه إنسان بسيط من سكان حي كرموز الشعبي بمدينة الإسكندرية, لم يتعلم فى مدرسة أو جامعة, بل علمته الحياة بكل مرارتها وقسوتها, وتعلم من الشارع ومن ظلم البشر, الغريب أن هذه الحياة القاسية التى عاشها لم تجعل منه انسانا عدوانيا , بل عاش حنوا على أبناء منطقته جميعا, فقيرهم وغنيهم, ضعيفهم وقويهم, بلا تمييز ولا إستثناء.
عاش "جريشة" يتيم الأبوين, لم يكفله أو يربيه أحدا, نشأ كنبت شيطانى, يحن عليه البعض ويركله البعض بأقدامهم, عرف ليالى الجوع الطويلة, نام فى برد يناير على الرصيف, وتعرض لكل أنواع الإيذاء والتحرش,
وتعلم أن ينتزع لقمته من فم الذئاب, اشتغل فى أحط وأدنى الأعمال, فى الخدمة بالمنازل, وفى مسح الأحذية, وفى جمع القمامة وغيرها.
عندما شب عن الطوق بدأ بسرقات صغيرة, كاسيت سيارة, ثياب من على حبل غسيل, لكنه لم يتجرأ على النشل, أو سرقة البيوت, إلى أن عرف طريق الجمرك, وبدأت السرقة من السفن الراسية بالميناء تستهويه, لامست فيه روح المغامرة والمخاطرة والمكسب السريع, سرعان ما على صيته وسطع نجمه, وأصبح واحدا من لصوص الجمرك المشهورين.
تعرض لملاحقة رجال الشرطة, ودخل سجلاتهم كمسجل خطر, أصبح مطاردا, وتحولت حياته الى هارب, فى النهار يعيش فى حيّه ومنطقته محاطا بالناس, وينام بالليل فى مقابر العمود القريبة, والتى تتحول ليلا الى أوكار لعتاة المجرمين, لاتجرأ الشرطة الدخول اليها.
الناس هنا لاتعتبر السرقة من الجمرك خروجا على القانون, بل هذا النوع من اللصوص فى نظرهم أبطالا, أصبح جريشة أشبه بالبطل الشعبى "روبن هود" يوزع حصيلته من السرقات على أبناء منطقته, واشتهر بينهم بالطيبة, يضفى حمايته على الجميع, يحمى بنات حيه من مضايقات الطفوليين, ويحمى سكان المنطقة من عدوان الأراذل, أشبه بعاشور الناجى فى حرافيش "نجيب محفوظ", يحتمى بالفقراء ويحميهم.
فى إحدى الليالى حضرت حفلا شعبيا فوق سطح أحد البيوت هناك, سبوع مولود أقامه قهوجى من المنطقة, كان جريشة ورفاقه حاضرين, عندما بدأ المطرب الشعبى بالغناء, إعتلى جريشة الخشبة, وأمسك بالميكروفون وسط تهليل الجميع (
النقطة دى من جريشة, ومن كل حرامية الجمرك, الرجالة الى بتخطف الجنية من ماسورة البندقية , وأخذ يرمى بالعملات الورقية الكبيرة تحية للفرح وأصحابه.
كان نشاطه بالليل, وفى النهار تراه جالسا على مقهى فى الحى, يوزع ابتساماته وتحياته على الجميع, عندما يشاهد أطفالا يلعبون الكرة الشراب سرعان ما ينزل للعب معهم, وفى نهاية الماتش يشترى صينية بسبوسة, أو صندوق كوكاكولا يوزعه عليهم, وإذا شاهد بائع خس أو فجل يشترى منه كل ما معه, ويوزعه على السكان مجانا।
لم يكن يؤذى أحدا, أو يضمر شرا لأحد, حكى لى "عبد المجيد الخولى" أحد فلاحى "كمشيش" فى سنوات الإبعاد, أنه إشتغل خفيرا لمخزن مواد بناء, وفى إحدى الليالى قبيل الفجر جاءه شخص وحياه, عرّفه بنفسه, كان هو جريشة, قال له أنه بصراحة يمر ببعض الظروف وأنه جاء لسرقة حديد تسليح من المخزن, ولا يريد أن يتعرض له بسوء, بعد حوار قصير اقنعه اعبدالمجيد أنه بفعلته هذه سيضّره, رجع عما إنتواه, وسهر معه ليلتها حتى الصباح
عندما عين للمنطقة ضابط مباحث جديد عرف عنه القسوة والعنف, كان هذا الضابط مصمما على الإيقاع بلصوص الجمرك فى منطقته, حاول أكثر من مرة أن ينصب كمينا لجريشة لكنه فشل, كان جريشة كالثعلب شديد الإحتياط, إحتال الضابط عليه عن طريق إحد البنات الائى يصاحبهن, إستطاعت أن تستدرجه ليلا من المقابر, لم يكن فى نية هذا الضابط القبض عليه, عاجله برصاصة فى رأسه, سكنت بين عينيه
إنطلق الخبر فى شوارع كرموز بسرعة البرق, (جريشة قتلوه), وفجأة وبدون ترتيب إنطلق صراخ النساء فى البيوت, ونزل الرجال والأطفال الى الشوارع, شكلوا مظاهرة كبيرة الى نقطة "الفراهدة" فأحرقوها, ثم إستدار المتظاهرون الى قسم "كرموز" ليشعلوا فيه النار, يحكى لى صديق من سكان الحى أن أمه السيدة الكبيرة التى لم تكن تنزل الى الشارع, نزلت فى هذا اليوم تولول وتهيل التراب على رأسها.
أعلن حظر التجول بالمنطقة, ونزلت قوات الأمن المركزى الى الشوارع للسيطرة على الوضع, قبض على العشرات ورحّلوا الى سجن الحضرة بدون تحقيق, وإكتست المنطقة كلها بالسواد, وفى الجنازة تم القبض على جميع المشاركين, أعلن رفاقه على قبره أنهم سينتقمون من قاتله, ونصّبوا شقيقه "العربى" خليفة له.

قصيدة لم تكتب فى رثاء "جريشة" :

الفاتحة له
عاش.. زى دكر النحل
مات ..زى دكر النحل
نعشه.. يدوبك ع الطريق فايت
باع عمره للكيف والضيوف
كان كل من حياه صديقه
وصحابه يغديهم بلحم الكتوف.

فى جنازته بكيت فيه بنات الحارة
لبست عليه سعدية توب الحداد
وعاصت الندابة بالطين القديم جبهتها
- سعدية ما زالت حورية وإنت فين رايح
سعدية مين بعدك يعول بيتها

Tuesday, June 09, 2009

غنائيات



الأرض دى بتطرح نخيل عملاق
وشجر عفى.......وسنابل
الشمس تغرب, هيه ما تنطفى
لكن ما بال فيها الرجال
نشفهم الخوف...والهزال...
مرّت سنين صبر وسنين حكمة وسنين إرغام
وما تزال السطوة كل السطوة للحكام
ولا يزال الطيبين يتكربجوا
فى حلمهم بمكان تحت الشمس
* * *
يا بلاد رمتنا للأسى والموات
ما عادشى حتى للسكات طعمه
لإننا بنموت فى نفس اللحظة ميت مرّة

إمتى الرجال الناشفة تنفض خوفها
وتقف تكتل صفوفها
كفى, أضمه لكفوفها
نهد ونقيم من جديد
بلاد
بلاد بلا سجن وبلا جلاّد
بلاد بلا سادة وعبيد
* * *
يابلادى
والإصباح عيون وأيادى
إذا ما عدّى ع الوادى
حيزيح قصاده كل ليل ميت

تتفتح الأبواب
تدب الرعشة فى عروقها لنور الشمس

حنغنى
كما لو كنا بنغنى لأول مرة
ونحب
كما لو كنا ما حبينا بالمرة

يتقابلوا الأصحاب من بعد غيبة طويلة
نفس الإدين المعروقين
نفس العيدان النحيلة
اللى حترسم من جديد
سكة حياة للوطن

شعر محمد سيف

Sunday, June 07, 2009

سلطنة عمان..وتوليفة التسامح


لمدة تزيد عن 20 عاما عملتها فى سلطنة عمان, أدّعى أننى قد كونت خبرة ليست قليلة عن هذه الدولة الفتية, ولا أزعم أن ما تراكم من خبرات كله إيجابى, الا أن أكثر ما أثار إنتباهى هى هذه التوليفة العبقرية للتسامح تجاه الذات والآخر التى تشكل نسيجا عضويا فى التركيبة العمانية.
بداية فإن الواقع العمانى يتركب من فسيفساء عرقية وإثنية ومذهبية وقبلية شديدة التعقيد, وذلك بسبب الخلفية التاريخية التى تحكم هذا المشهد, فقد احتل البرتغاليين بقيادة البوكيرك عمان فى بدايات القرن السادس عشر واستمر هذا الاحتلال حتى قيام دولة اليعاربة بقيادة الامام "ناصر بن مرشد" الذى إستطاع وابناؤه من بعده طرد النفوذ البرتغالى من سواحل عمان وطاردوه فى الساحل الافريقى وسواحل الهند وفارس.
وبقيام حكم اسرة البوسعيديين بقيادة "أحمد بن سعيد" عام 1738م وإستخدام تسمية السلطنة بدلا من الإمامة بدأت الدولة العمانية فى الإستقرار وتوقفت النزاعات الداخلية, وتم بناء اسطول بحرى قوى استطاع السيطرة على المياه فى المحيط الهندى وتثبيت سيطرته على الساحل الإفريقى فى زنجبار ومومباسا, وبوفاته ونشوب الصراع بين أبنائه على السلطة قويت شوكة الإمامة مرة أخرى وإشتعلت الحروب ليعود نظام الإمامة حينا والسلطنة أحيانا حتى توقيع إتفاقية السيب عام 1920 بوساطة انجليزية والتى تم بمقتضاها تقسيم البلاد بين عمان الساحل تحت سلطة السلطان وعاصمتها مسقط وعمان الداخل تحت سيطرة الأئمة وعاصمتها نزوى. وفى عام 1932م اعتلى الحكم السلطان "سعيد بن تيمور" والذى أكمل تعليمه فى الهند, وفى عهده استمر تدهور الأوضاع واحتدام الصراع مع نظام الإمامة وأغلقت البلاد عن جوارها مع وجود نظام حكم أوتوقراطى بالغ فى استبداده وتخلفه ليحظر على المواطنين الصحف و الراديو والتدخين ومنعهم من التعليم أو السفر او حتى من بناء بيوتا لهم.
فى ظل هكذا أوضاع كان لابد أن تنفجر البلاد ويثور الناس, فعمت الصراعات لتشمل الساحل والصحراء, الشمال والجنوب, الحضر والريف,
واندلعت الثورة فى ظفار.
كانت ظفار وهى أقصى الأقاليم فى جنوب البلاد تحت حكم السلطان اسميا, ولكنها كان دائما لها درجة عالية من الخصوصية وتتمتع بنوع من الحكم الذاتى, وسكانها حادى الطباع, ذوى انفة وعزة نفس, يسمونهم فى عمان "الجبّالة" لسكناهم الجبال, وكانوا دائمى التمرد على المركز, وكان السلطان "سعيد بن تيمور" يقيم بصفة شبه دائمة فى صلالة, وكانت زوجته والدة ابنه قابوس من قبيلة ظفارية, ناهيك عن إعتدال مناخها, وبعدها عن المشاكل فى مسقط.
ولكن فى عام 1963 تجمعت فى هذا المكان ثلاث منظمات صغيرة متمردة فى هى " حركة القوميون العرب"و "الجمعية الخيرية العمانية" و "منظمة الجنود الظفاريين" ليندمجوا معا مشكلين (الجبهة الشعبية لتحرير ظفار) ذات الميول اليسارية, والتى خاضت حربا لا هوادة فيها ضد نظام الحكم بتأييد من الصين ثم الإتحاد السوفيتى والنظام الشيوعى الحاكم فى عدن, وبعض الأنظمة الراديكالية العربية, لتستطيع الجبهة السيطرة على أجزاء كبيرة من اقليم ظفار ولتحاصر السلطان فى مدينة صلالة.
وقد لاقت هذه الجبهة تأييداً واسعاً من مختلف القطاعات نتيجة حالة البؤس والحرمان والضنك الذي كانت تعيشه البلاد. وقد حققت أفواج هذه الثورة انتصارات كبيرة وكادت تقضي على السلطان سعيد بن تيمور فى محاولة إغتيال.
فى ظل هذه الأوضاع المتردية إستطاع الإبن الأوحد للسلطان سعيد أن يدبر إنقلابا على أبيه من داخل سجنه ( كان سعيد بن تيمور قد سجن ابنه قابوس فور عودته من دراسته العسكرية بكلية "ساند هيرست" فى لندن خوفا منه ولإستشعاره ان له ميولا فكرية مع ثوار ظفار).
بعد توليه الحكم في 23 تموز 1970بادر السلطان قابوس إلى جعل اسم «سلطنة عمان» الإسم الرسمي لدولته، وعمد إلى نهج سياسة جديدة قائمة على إزالة كل مظاهر التخلف الشديد التي طبعت عهد السلطان سعيد، والانفتاح على العواصم العربية والأجنبية. وأراد أن يخرج الجيش العماني من مأزقه، فطلب دعماً من الأردن، ثم من المملكة العربية السعودية، وكذلك من باكستان، وفي عام 1973 أرسل شاه إيران حملة عسكرية من آلاف الجنود (مزودة بطائرات هيليكوبتر وسفن حربية)، فنزل قسم منهم في صلالة عاصمة ظفار. وبدأت المعارك مع الثوار. وفي أقل من سنتين، تمكن السلطان قابوس مع هذه القوات من القضاء نهائياً على هذه الثورة الوليدة وليعلن إنتهاء الثورة المسلحة بشكل نهائي فى 1975م وتطوى صفحة ناصعة من النضال الثورى شارك فيها عشرات المتطوعين من الدول العربية.
وقد أعلن السلطان قابوس خلال هذه الفترة أكثر من مرة العفو العام (1972) وحاول صادقا استيعاب خصومه فى جهاز الدولة مثل الدكتور رجب حافظ سلامة من زعماء الجبهة أول وزير للزراعة (إن لم تخوننى الذاكرة) ويوسف بن علوى الذى ما زال يشغل حقيبة الخارجية حتى الآن وكان قائد فصيل الجمعية الخيرية العمانية قبل الإندماج لتشكيل الجبهة.
كما استطاعت سياسة التسامح الحكيمة لجلالة السلطان ان تستوعب الخصوم من جبهة الإمامة وتم تعيين عدد من الولاة والسفراء منهم كما تم تعيين الشيخ العلامة" أحمد الخليلى" على رأس السلطة الدينية كمفتى عام للسلطنة.
على أن أهم ما ميز هذه السياسة هو القدر الواسع من التسامح الدينى, فبالرغم من اعتبار المذهب الإباضى هو المذهب الرسمى للدولة (وهو من أقدم المذاهب الإسلامية ويتسم بالتشدد, وتم الإعتراف به فى ملتقى العالم الإسلامى كثامن المذاهب الإسلامية*), إلاّ أن السياسة الدينية بوجه عام تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى ظلت متسامحة الى أقصى الحدود, خاصة تجاه المذاهب السنية الأربعة التى يدين بها معظم أهل عمان.
كما يحظى الشيعة فى عمان وهم أقلية دينية بتمثيل واسع فى جهاز الحكم وفى المجتمع, ويتم الإحتفال بأعياد الشيعة على أعلى مستوى, ويرفع الآذان من على مآذن مساجدهم (أشهد أن محمدا رسول الله, وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ولى الله).
كذلك يتعايش المجتمع مع البهائيين بحب وتسامح, يحيون أعيادهم بحرية ويمارسون شعائرهم فى محافلهم بنفس الحرية, كما تكتب ديانتهم فى الجوازات والبطاقات دون أدنى حساسيات.
حتى المسيحيون يؤدون صلواتهم فى كنائسهم بدون مشاكل, وترتفع أجراس الكنائس شاهدة على ذلك, و أصحاب الديانات الأرضية كالهندوس يمارسون طقوس حياتهم بكل حرية, لا يتدخل أحد فى ما يؤمنون به.
كما أن عبيد وإماء الأمس يحيون أحرارا ويشاركون فى بناء وطنهم دون تمييز أو طبقية, يشغلون أعلى المناصب فى الجهازين المدنى والعسكرى.
بالله عليكم الا يستحق أن نوجه تحية إحترام وتقدير لهذا الشعب وقيادته.
المذاهب الإسلامية المعتمدة هى أربعة مذاهب للسنة وثلاث للشيعة بالإضافة للمذهب *

Sunday, May 31, 2009

الهجّالة


فى أرياف مصر تعرّف المرأة التى تترمل عن ذرية, وترفض الزواج من أجل تربية أولادها بالهجّالة, وتبدأ هذه المرأة فى التحول شيئا فشيئا فى جميع النواحى النفسية والجسمانية والإجتماعية لتشبه الرجال, فى الشكل الخارجى ينفرد جسمها, وتمشى بخطوات واسعة, ويبدأ صوتها فى الإخشنان, وتنمو لها شعيرات خفيفة تحت الأنف وعلى الذقن (ربما هى نفس الشعيرات التى كانت تزيلها عندما كانت زوجة), وفى مظهرها الخارجى ترتدى زيا أشبه بملابس الرجال منه بالنساء, فبدلا من الجلابية الفلاحى تلبس ما يسمى ب"الملس", وهو لباس أسود فضفاض من القماش الخشن, مشدود على الرقبة, لا يشف ولا يصف, وتلف رأسها بقطعة من القماش تسمى "لاسة" بدلا من المنديل أبو أويه.
وفى الجانب الإجتماعى تتغير شخصيتها وسلوكها كثيرا, فتبدأ فى التعامل مع الآخرين بطريقة رجالية, وخصوصا فى عملية الفلاحة والزراعة, تقوم بنفسها بمباشرة العمل فى الحقل, والإصرار على إنتزاع حقها فى الدور والمناوبة, تتناوب العمل مع الرجال فى الأعمال الشاقة, وتتولى حراسة أرضها وحماية بيتها من الدخلاء, وعلى الجانب الآخر تكون هذه المرأة محترمة ومهابة من الرجال, الذين يحاولون بشكل غير مباشر مساعدتها والأخذ بيدها.
أعرف سيدة ريفية بدأت رحلتها مع هذا النمط "الهجّالة" مبكرا, وذلك عندما أصيب زوجها بمرض عضال أقعده لسنوات, وكانت خلفتها من البنات هن الأكبر عمرا, والذكور كانوا فى المراحل الأولى من التعليم, ولما طال مرض الأب ويئسوا من شفاؤه, بدأت هذه المرأة تمارس دور الأب والأم معا, وحملت على عاتقها هموم الأسرة وتربية الأولاد, كانت تتعامل مع الأنفار(عمال الزراعة) وتتابعهم وتحاسبهم, تذهب بنفسها الى سوق المواشى لتبيع وتشترى, ويرتفع صوتها بالفصال فى مواجهة تجار المحاصيل, وتحمل الغذاء ظهرا الى الأنفار فى الحقل.
يذكر لى إبنها الأصغر(وكنا أطفالا) كيف مات أبوه, وكان قد إشتد به المرض, وهم يتناوبون السهر لرعايته, والإستعداد لرحيله (أحد مظاهر هذا الإستعداد فى الريف المصرى أن تقوم نساء الأسرة بتربية الخميرة إستعدادا للخبيز عندما تتأخر الحالة الصحية للمريض), وفى الليلة الموعودة التى أسلم الأب فيها الروح كانوا ساهرين بجانبه, وكانت الأم تضع رأسه فى حجرها, وفجأة أصدر صوتا خشنا من صدره, فمالت الأم على أذنه اليمنى تقرأه الشهادتين, وبعدها أنزلت رأسه ببطأ من على رجلها لتوجهها الى القبلة, ولتسبّل عينيه, وتسدل الشال الأبيض على وجهه.
كان الوقت حينها قد تجاوز منتصف الليل بساعات, والفجر يقترب, وبدأ نحيب البنات يتحول الى نهنهة لها صوت, وفى هذه اللحظة إستفاقت الأم سريعا وانتفضت ثائرة, ناهرة الجميع, ووجهت حديثها الى البنات طالبة منهن ان يتوقفن فورا عن البكاء, وأن يقمن بتحضير الإفطار, وأصرت أن يفطرالجميع لأن امامهم يوما طويلا, وبعد أن فرغوا من إ فطارهم الإجبارى وتناول الشاى, أطلقت العنان للبنات أن يصرخن ويولولن.

لم يمض سوى أقل من إسبوع عندما شوهدت الحاجة "زهرة" تحمل الفأس على كتفها متوجهة الى الحقل.

Saturday, May 30, 2009

النقاب والتحرش



النقاب
يعرف الفقهاء النقاب بأنه ما تستر به المرأة وجهها, كما يعتبره أغلبهم بأنه غير ملزم للمرأة المسلمة شرعا إرتداؤه, بل يرى البعض ومنهم فضيلة المفتى "على جمعة"إن النقاب “ليس بواجب”، وأن زى المرأة الشرعي شروطه معروفة، وهي ألا يصف مفاتن الجسد، ولا يشف، ويستر الجسم كله عدا الوجه والكفين، مشيرا إلى أن المالكية أفتوا بأن النقاب مكروه بدليل حظره في الإحرام للحج . ولكنه تجاهل إعتبار النقاب ثيابًا شرعية يتأرجح بين الوجوب والندب وأن النقاب في رأى الجمهور هو عادة زيادة في العفة والفضل.
ولكن مالم يذكره فضيلته أن بقية فقاء المذاهب الأربعة قد أفتوا بشرعية النقاب بدرجات مختلفة, معتدين بنص الكتاب وحجية الحديث وذلك بعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59]، أما العجوز والمرأة الشوهاء فلا يجب عليها النقاب، ولكن يستحب لها، لقوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60].بل يجب على المرأة الاحتجاب عن أقارب زوجها أكثر من غيرهم ، لأنهم يُخشى منهم في العادة ما لا يخشى من غيرهم ، بسبب أنهم يتيسر لهم دخول البيت والجلوس مع المرأة والكلام معها أكثر من غيرهم.
ولا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي وأن النساء كنَّ يفعلنه ؛ كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت : " لا تنتقب " فإن هذا يدل على أنه كان من عادتهن لبس النقاب"
وقال ابن تيمية : حكى أبو عبيدة وغيره أنها تدنيه ( اي النقاب) من فوق رأسها فلا تظهر إلاَّ عينيها, وفى رأى آخر أكثر تطرفا قال به الداعية السعودي الشيخ محمد الهبدان إن الموجود في الأسواق الآن من "النقاب "غالبا" لا يصح ارتداؤه "بحيث تظهر المرأة عينيها أو وجنتيها، وأن النقاب المشروع هو ما ذكره ابن عباس حينما قرأ آية الحجاب فغطى وجهه وعينا وأبدى عينا واحدة صغيرة وقال هذا هو لترى الطريق" .

التحرش الجنسى
التحرش الجنسى هو محاولة استثارة الأنثى جنسياً بدون رغبتها، ويشمل ذلك بالكلام أو الإشارة أو لمس مواضع حساسة من جسد المرأة, أو تعرية جزأ من ملابسها أو كشف الرجال لعوراتهم أمام النساء.
اعترفت مصريات يرتدين الحجاب أن حجابهن لم يحل دون تعرضهن للتحرشات الجنسية. وأفادت 72% من المحجبات المشاركات في استطلاع أجراه "المركز المصري لحقوق المرأة" أنهن يتعرضن لتحرشات مستمرة على الرغم من أنهن محجبات.
ماذا كانت حجة الداعين الى الحجاب، وما زالت؟ «تحجبي... تحفظي عرضك. تصوني نفسك. تكوني من الطاهرات. تكسبين قوة واحتراما. تحجبي... (او... «تنقّبي») ويصير بوسعك الخروج من البيت... هذا ما يقوله الشارع، ويكرّره الدعاة وخطباء المساجد... حتى بعد الاعتداء على المحجبات والمنقبات. لكن الذي حصل ويتفاقم حصوله هو العكس تماماً: كلما زادت نسبة الحجاب، ومعه النقاب، ارتفع إختلال الشارع، وتحول الى مكان غير آمن للنساء. والمدهش ان هذا التلازم بين الحجاب والتحرش، يأتي ضمن تلازم أعرض، بين زيادة مظاهر التدين الحالي وإستمرار تدهور الاخلاق وإنحطاطها. فكيف يمكن تفسير ذلك؟
وفى استعراض لتقرير مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في القاهرة" إلين نيكميير"عن المضايقات والتحرشات الجنسية التي تتعرض لها النساء المنقبات في مصرقالت "بعض النساء في مصر يقلن أن النقاب يزيد من التحرشات ضدهن", وتعتقد السائحات أن مصر هي إحدى أسوأ البلدان في العالم التي يتعرض فيها النساء للمضايقة في الشوارع – بعد أفغانستان, كما حذرت الولايات المتّحدة وبريطانيا رعاياها من النساء المسافرات الى مصر بأنهن قد يواجهن مضايقات أو تحرشات جنسية غير مرغوبه هناك. ويضيف التقرير "أن أسوأ حالات التحرش الجنسي في مصر حدثت السنة الماضية عندما احاط عشرات الرجال بإمرأتين خليجيتين منقبتين وقاموا بمضايقتهما في الشارع. وقام أحد الماره بتصوير الحادثه وبثها على موقع الأنترنيت (يوتيوب).
ويختتم التقرير بالقول( أنه بالاضافه الى السبب الديني فإن من الأسباب الأخرى التي تدعو الى حجاب المرأة فى مصرهو التمرد على الجيل السابق والرغبة في اظهار التضامن الاسلامي والظهور بمظهر الفتاة الجيدة التي تصلح لأن تكون زوجة صالحة, كما أن للحجاب أو النقاب أسباب أخرى إقتصادية وإجتماعية).
على أن التحرش بالمحجبات ناهيك عن المنقبات فى إزدياد يوما بعد يوم وهذا فى ظنى لأسباب عديدة أولها إنتشار الحجاب والنقاب فى المجتمع ليغطى رؤوس أكثر من 85% من النساء مما قلل حجم الفئة المستهدفة من السافرات وهذا ما جعل المتحرشين يوسعون من الدائرة لتشمل المحجابات والمنقبات أيضا.
كذلك فإن المنقبة تكون عادة أقل جرأة فى مواجهة الآخرين, تخاف الفضيحة, ولا ترغب فى إثارة ضجة, خاصة وهى تعلم أن المجتمع الذكورى الذى تعيش فيه ينحاز دائما للرجال( بما فى ذلك نسبة كبيرة من النساء اللائى جبلن على مبدأ الخضوع للرجال), وبالأخص فى مسائل الجنس الذى تحس فيه الأطراف الأخرى وغير المشاركة بالإنتصار والنشوة وكأنماهى طرف فى الموقف وترغب فى إسكات صوت المرأة وإذلالها, ولعلنا نتذكر هنا رائعة يوسف إدريس "سنوبز".
أن المرأة المنقبة أكثر عرضة للتحرش والمضايقة لأنها كيان غير معرّف وتميل إلى الرد بالصمت تحت تأثير العتمة القماشية.. وإن بعض من ينقصهن الوازع الأخلاقى يقمن باستغلال النقاب في إشباع نزواتهن ورغباتهن, خاصة فى الأماكن المزدحمة كالأسواق ووسائل النقل العام.
إن الغالبية من المنقبات عادة من أطراف المدن والأحياء الشعبية, وذوى الأصول الريفية والشهادات المتوسطة, وهم فى الأرجح لا يعرفون الدفاع عن أنفسهن, ولا يملكن ترف تحرير محاضر تعدى فى أقسام البوليس, ويعلمون سلفا أن لا أحد سوف يدافع عنهن بحماس وحرارة مثل الأخريات, والمثال جاهز فى موقف الفتاة الجريئة"نهى رشدى", المثقفة الأرستقراطية التى تصدت لمن تحرش بها, وتحولت قصتها الى قضية رأى عام, بالرغم من الردود الجاهزة ومحاولة البعض توجيه الإتهام لها بأنها فلسطينية وتحمل جوازا إسرائيليا, ودعوة احداهن الشباب إلى التحرش بالسائحات الإسرائيليات كنوع من المقاومة والتقرب الى الله .
على كل حال فهناك مثل فرنسى يقول أن خجل المرأة هو نصف الطريق لإيقاعها فى الرذيلة, أى سهولة إستدراجها, ولا أعرف الى أى مدى ينطبق هذا المثل على المنقبات.

Thursday, February 05, 2009

قصيدة مظفر النواب عن غزة ... كفرت باسرائيل






في الوطنِ العربيِّ
ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ

والدّمُ أيضاً مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ وأشياءٌ أخرىمن كلِّ مكانٍ
في الوطنِ ا لعربيِّ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميل
فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ

النّملةُ قطعتْ رأسَ الفيلْ
والبّقةُ شربتْ نهرَ النيل
والجّبلُ تمخّض فَأنجبَ فأراً
والفأرُ توّحشَّ يوماًوافترسَ الغولْ
والذّئبُ يغنّييا
عيني يا ليل
والحرباءُ تقولْ
بلباقةِ سيّدةٍ تتسوّقُ في باريسَ
" تري جانتيلْ "

معقول
ما تعريفُ المُمكنِ والمُتصوّرِ والمعقولْ؟
يا قارئ كلماتي بالعرضِ
وقارئ كلماتي بالطّولْ
لا تبحثْ عن شيءٍ عندي
يدعى المعقولْ
إنّي معترفٌ بجنونِ كلامي
بالجّملةِ والتّفصيلْ
ولهذالا تُتعبْ عقلكَ أبداً بالجّرحِ وبالتّعديلْ
وبنقدِ المتنِ وبالتّأويلْ
خذها منّي
تلكَ الكلماتُ
وصدّقها من دونِ دليلْ
بعثرها في عقلكَ
لا بأس
إن اختلطَ الفاعلُ
بالفعلِ أو المفعولْ
الفاعلُ يفعلُ
والمفعولُ به
يبني ما فعلَ الفاعلُ للمجهولْ

هذا تفكيرٌ عربيٌ
عمليٌ
شرعيٌ
مقبولْ

في زمنٍ فيهِ حوادثنا
كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ
خُذ مثلاً
ضاعتْ منّا القدسُ
وقامتْ دولةُ إسرائيل
من المسئول
فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ

خذ مثلاًدبّاباتٌ ستٌ في بغدادَ
ونشراتُ الأخبارِ تقولْ
سقطتْ بغدادُمن المسؤولْ؟
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ

خُذ مثلاًفي الوطنِ العربيِّ
ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمُ أيضاً
مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ وأشياءٌ أخرى
من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ

فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ
والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ
أمّا نحنُ البُسطاءُفأفضلَ ما نفعل
أن نفرحَ حينَ يفيضُ النّيلْ
أن نحزنَ حين يغيضُ النّيلْ
أن نرقصَ في الأفراحِ
ونبكي في الأتراحِ
ونؤمنَ أنَّ الأرضَ تدورُ
بلا تعليلْ

والموتُ هنا مثل الفوضى والرّيحِ
يجيءُ بلاسببٍ
وبلا تعليلْ
والحربُ هنا حدثٌ ميتافيزيقيٌ
فاعلهُ إنسانٌ مجهولْ
وضحيّتهُ أيضاً مجهولْ

هذا تفكيرٌ عربيٌ
عمليٌ
شرعيٌ
مقبولْ

في زمنٍ فيهِ حوادثنا
كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ

فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ
عفويٌ
مثل شروقِ الشّمسِ
بديهيٌ
مثل التّنزيلْ
أمرٌ مفروضٌ
حتميٌ
وقضاءٌ مثل قضاءِ اللهِ
بلا تبديل
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ
وعلينا أن نصبرَ دوما
ًفالصّبرُ جميلْ

ما أسخفها تلكَ الجّملةُ" الصّبرُ جميلْ
ولدتْ جملاً أخرى تُشبهها
خُذ مثلاًالخوفُ جميلْ
الذّلُّ جميلْ
الموتُ جميل
ْالهربُ من الأقدارِ جميلْ

وجميلٌ أن يُقتلَ منّافي غزّة يوماً
مائةُ قتيلْ
وجميلٌ أن ننسى في اليومِ التّالي
فالنّسيانُ جميلْ
وجميلٌ أن تأتينا أمريكا
بجيوشٍ وأساطيلْ
وجميلٌ أنْ تحترقَ الأرضُ
فلا يبقى زرعٌ ونخيلْ
وجميلٌ أنْ تختنقَ الخيل
فلا يبقى نزقٌ وصهيلْ
وجميلٌ أنْ تتهاوى كلُّ عواصمنا
كي تبقى دولةُ إسرائيلْ

يارب كفرتُ بإسرائيلْ
وكفرتُ بكلَِ حوادثنا
المبنيّةِ دوماً للمجهولْ

ياربِّ كفرتُ بإسرائيلْ
هي وهمٌ كالنّملةِ
والبّقةِ
نحنُ جعلناها كالفيلْ
وتركناها تتدحرجُ فوقَ خريطتنا يوماً
كالفيلْ
وتدوسُ علينا مثل الفيلْ
وتدكُّ قُرانا مثل الفيلْ

ياربِّ كفرتُ بإسرائيلْ
هذا الوهمُ الملتفُّ على الأعناقِ
إذا قررنا يوماً
سوفَ يزولْ

يارب كفرت بإسرائيل
الموت لإسرائيل
الموت لإسرائيل
الموت لإسرائيل

Thursday, January 08, 2009

كلنا غزة







الغضب الساطع آتٍ و أنا كلي إيمان
الغضب الساطع آتٍ سأمر على الأحزان
من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و كوجه الله الغامر آتٍ آتٍ آتٍ
لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي
سأدق على الأبواب و سأفتحها الأبواب
و ستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
و ستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية
الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و سيهزم وجه القوة
البيت لنا و القدس لنا
و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام آتٍ

حماس تهزم عسكريا,,, وتنتصر سياسيا


ما زال العدوان الإسرائيلى الشرس على قطاع غزة مستمرا, الضحايا يسقطون بالعشرات يوميا, وحماس ومعها باقى الفصائل الفلسطينية ما زالت تتصدى للعدوان الإسرائيلى وتطلق الصواريخ بأنواعها على جنوب إسرائيل, وتعلن عن إحداث خسائر كبيرة بالجنود والمعدات .
وبالرغم من التفوق الهائل لآلة الحرب الإسرائيلية, وقوة النيران الرهيبة التى تملكها, والنوعية الحديثة جدا والمتطورة من الطائرات والدبابات والزوارق البحرية, كذلك التفوق في نوعية وتدريب الأفراد, فإن مقاتلى حماس والفصائل يشكلون منذ بداية الهجوم البرى إزعاجا متواصلا لقوات الاحتلال, وقدر من الخسائر لا بأس به, من القتلى والجرحى بين القوات المهاجمة, بالاضافة طبعا للتأثير النفسى والمادى لعشرات صواريخ الكاتيوشا والقسام التى تسقط يوميا على مستعمرات ومدن الجنوب الإسرائيلى.
ورغم أن كافة الأطراف فى مأزق كبير, أولها حماس والتى تلقت ضربة شديدة, وخسرت مئات من كوادرها من عناصر القوة الأمنية, وشرطة الداخلية وميليشيات القسام, ناهيك عن تدمير معظم مقراتها الأمنية والحكومية وإختفاء جميع قيادات الصف الأول والثانى فى ملاجئ مؤّمنة تحت الأرض.
أما مأزق اسرائيل فيكمن فى عجزها عن التحقيق الكامل لأهدافها المعلنة رغم تواضعها, فلا هى بقادرة على فرض شروطها من هدنة كاملة ومستمرة, ولا نشر قوات حفظ سلام أو حتى مراقبة كما فعلت فى الجنوب اللبنانى, ولا حتى ضمان عدم تهريب السلاح لحماس عبر أنفاق أو من البحر, ولا هى ايضا بقادرة ان تجعل الجماهير الفلسطينية فى غزة أو الضفة تهب ضد حماس,ولم تخطط حتى لكيفية الخروج من غزة.
الفرق بين غزة والجنوب اللبنانى, أن لبنان دولة مستقلة ومستقرة, بها تقاليد الدول المدنية, فرغم أن حزب الله هو الذى تسبب فى الحرب وذلك بإختطافه للجنديين الإسرائيليين, إلا ان الذى تفاوض على وقف إطلاق النار هى حكومة السنيورة, وذلك من خلال قرار مجلس الأمن 1701 والذي تضمن نشر قوات اليونيفيل, وانسحاب قوات حزب الله الى شمال الليطانى.
المأزق الثالث هو مأزق السلطة الوطنية الفلسطينية أساسا ومعها كل الأنظمة العربية وخاصة مصر والدول الغربية التى تحاول انهاء الحرب ووقف اطلاق النار والهدنة بين الطرفين, فأكبر الخاسرين هى السلطة الفلسطينية التى ظهرت كلاعب بدون كرة, فمحاولاتها التهدأة فى الضفة وإبعاد مواطني الضفة عن نقاط التماس لحمايتهم من بطش قوات الاحتلال يظهرها وكأنها في أضعف الظروف كأنما تقف موقفا سلبيا من ماكينة القتل الصهيونية أو أن لها مصلحة فيما يحدث, ناهيك عن تشويه صورتها وإظهارها بأنها تجرى وراء سراب المفاوضات التى ثبت بطلانها وعدم جدواها, ومحاولتها الدعوة الى ايجاد مخرج للوضع المأسوى للشعب الفلسطينى يبدو كاريكاتوريا حيث أن اللاعب الأساسى وربما الوحيد الذى يمكنه أن يقبل أو يرفض هذه العروض وهو حماس, معتبرة نفسها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني, وأن كل المحاولات تذهب إلى العنوان الخطأ, وليس عنوان حماس.
أما وضع مصر فهو شائك وحساس, وخصوصا لكونها الجار والشقيق والقوة العربية الأكبر ديموغرافيا, وهى النافذة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجى, وتاريخها الطويل فى القتال من أجل فلسطين, وإدارتها للقطاع لحوالى 19 سنة قبل نكسة 67 ,مما يرفع سقف التوقعات منها, ويعطى خصومها الفرصة للنيل منها بحجج وذرائع باطلة, كونها ترفض الإقرار بسيادة حماس على غزة, أو فتح معبر رفح بصفة مستمرة ولا ترفض اتفاقية تنظيم المعابر, وأيضا لوجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل وتبادل للسفراء كنص وارد في معاهدة السلام, فيمكن الاصطياد في الماء العكر, وتسيير المظاهرات ضد السفارات المصرية ومحاولات اقتحامها, واستئجار شاب يدعى أنه مصري لكي يحرق جواز سفره أمام سفارة مصر في بيروت, وكأن الطائرات المصرية هي التي تقصف غزة, وكأنما مطلوب من مصر الآن أن تخرق جميع الاتفاقات الدولية وأن تخرق معاهدة السلام وتنجّر في حرب مع إسرائيل لا يعرف عاقبتها إلا الله, وإلا فلتعلن حالة التهييج ضده مصر وضد قيادتها.
ينطبق هذا الحال على الجامعة العربية وأمينها العام, وجميع الدول العربية التي تسعى جاهدة إلى إيقاف نزيف الدم الفلسطيني, ووضع حد لمأساة الشعب الفلسطيني, فكل جهودهم أمام المحافل الدولية تعلق بموقف الدولة الصهيونية العدواني, أو برغبة حماس في استثمار هذا العدوان الغادر في سبيل بعض المكاسب السياسية المحدودة حتى لو سقط بضعة آلاف أخرى من الفلسطينيين قربانا على مائدة توسيع هذه المكاسب.
الأمر الآن أنه حتى لو استطاعت إسرائيل من خلال عدوانها أن تدمر جميع الصواريخ التي لدى حماس والفصائل الأخرى فباستطاعة حماس من خلال رفضها لكافة جهود التسوية أن تظهر نفسها كمنتصرة, تماما كما فعل حزب الله, حتى ولو كان الثمن تدمير كل ما تم بناؤه في سنوات, والقضاء التام على البنية التحتية في لبنان أو فلسطين, والقتل والتشريد واللجوء, طالما اختفى هؤلاء القادة الصناديد تحت الأرض, وخرجوا بعد الدمار في الإذاعات أو على شاشات التلفزة يعلنون نصرهم, وكل ما يعنيهم كسب بضعة آلاف أخرى من الأصوات في صناديقهم الانتخابية.
المشكلة تكمن في أن حماس السلطة تريد أن تتمسك بالحكم وإقامة دويلتها الإسلامية, على هذا الشريط الضيق, دونما إحساس بالمسئولية عن الشعب الذي تحكمه, طالما الرواتب وتوفير سبل الإعاشة يقوم به غيرهم من منح الاتحاد الأوروبي أو عن طريق حكومة سلام فياض التي يلعنونها ليل نهار, فقط يريدون أن يلعبوا لعبة المقاومة دون أن يدفعوا تكاليفها, ودون تحمل أية التزامات كإعلان موافقتهم على ما تم إبرامه من اتفاقيات ومعاهدات وقوانين دولية, مع رفضهم المستمر لأي محاولات صلح جادة مع فتح, وآخر حججهم أن هذا ليس وقت الجلوس معا, والبحث عن حل مشترك.
كنت أنتظر من حماس لو كان لديها إحساس بالمسئولية, عندما توجه أبو مازن ووزراء الخارجية العرب إلى نيويورك, لاستجداء قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع يلزم إسرائيل بوقف العدوان, كنت أنتظر منها أن تعلن من غزة أو دمشق أو أي عاصمة أخرى, أنها تعتبر أبو مازن هو ممثلها وأن أي قرار يوافق عليه فإنها توافق عليه, صدقوني ساعتها كانت أمور كثيرة يمكن أن تتغير
.