Sunday, May 31, 2009

الهجّالة


فى أرياف مصر تعرّف المرأة التى تترمل عن ذرية, وترفض الزواج من أجل تربية أولادها بالهجّالة, وتبدأ هذه المرأة فى التحول شيئا فشيئا فى جميع النواحى النفسية والجسمانية والإجتماعية لتشبه الرجال, فى الشكل الخارجى ينفرد جسمها, وتمشى بخطوات واسعة, ويبدأ صوتها فى الإخشنان, وتنمو لها شعيرات خفيفة تحت الأنف وعلى الذقن (ربما هى نفس الشعيرات التى كانت تزيلها عندما كانت زوجة), وفى مظهرها الخارجى ترتدى زيا أشبه بملابس الرجال منه بالنساء, فبدلا من الجلابية الفلاحى تلبس ما يسمى ب"الملس", وهو لباس أسود فضفاض من القماش الخشن, مشدود على الرقبة, لا يشف ولا يصف, وتلف رأسها بقطعة من القماش تسمى "لاسة" بدلا من المنديل أبو أويه.
وفى الجانب الإجتماعى تتغير شخصيتها وسلوكها كثيرا, فتبدأ فى التعامل مع الآخرين بطريقة رجالية, وخصوصا فى عملية الفلاحة والزراعة, تقوم بنفسها بمباشرة العمل فى الحقل, والإصرار على إنتزاع حقها فى الدور والمناوبة, تتناوب العمل مع الرجال فى الأعمال الشاقة, وتتولى حراسة أرضها وحماية بيتها من الدخلاء, وعلى الجانب الآخر تكون هذه المرأة محترمة ومهابة من الرجال, الذين يحاولون بشكل غير مباشر مساعدتها والأخذ بيدها.
أعرف سيدة ريفية بدأت رحلتها مع هذا النمط "الهجّالة" مبكرا, وذلك عندما أصيب زوجها بمرض عضال أقعده لسنوات, وكانت خلفتها من البنات هن الأكبر عمرا, والذكور كانوا فى المراحل الأولى من التعليم, ولما طال مرض الأب ويئسوا من شفاؤه, بدأت هذه المرأة تمارس دور الأب والأم معا, وحملت على عاتقها هموم الأسرة وتربية الأولاد, كانت تتعامل مع الأنفار(عمال الزراعة) وتتابعهم وتحاسبهم, تذهب بنفسها الى سوق المواشى لتبيع وتشترى, ويرتفع صوتها بالفصال فى مواجهة تجار المحاصيل, وتحمل الغذاء ظهرا الى الأنفار فى الحقل.
يذكر لى إبنها الأصغر(وكنا أطفالا) كيف مات أبوه, وكان قد إشتد به المرض, وهم يتناوبون السهر لرعايته, والإستعداد لرحيله (أحد مظاهر هذا الإستعداد فى الريف المصرى أن تقوم نساء الأسرة بتربية الخميرة إستعدادا للخبيز عندما تتأخر الحالة الصحية للمريض), وفى الليلة الموعودة التى أسلم الأب فيها الروح كانوا ساهرين بجانبه, وكانت الأم تضع رأسه فى حجرها, وفجأة أصدر صوتا خشنا من صدره, فمالت الأم على أذنه اليمنى تقرأه الشهادتين, وبعدها أنزلت رأسه ببطأ من على رجلها لتوجهها الى القبلة, ولتسبّل عينيه, وتسدل الشال الأبيض على وجهه.
كان الوقت حينها قد تجاوز منتصف الليل بساعات, والفجر يقترب, وبدأ نحيب البنات يتحول الى نهنهة لها صوت, وفى هذه اللحظة إستفاقت الأم سريعا وانتفضت ثائرة, ناهرة الجميع, ووجهت حديثها الى البنات طالبة منهن ان يتوقفن فورا عن البكاء, وأن يقمن بتحضير الإفطار, وأصرت أن يفطرالجميع لأن امامهم يوما طويلا, وبعد أن فرغوا من إ فطارهم الإجبارى وتناول الشاى, أطلقت العنان للبنات أن يصرخن ويولولن.

لم يمض سوى أقل من إسبوع عندما شوهدت الحاجة "زهرة" تحمل الفأس على كتفها متوجهة الى الحقل.

Saturday, May 30, 2009

النقاب والتحرش



النقاب
يعرف الفقهاء النقاب بأنه ما تستر به المرأة وجهها, كما يعتبره أغلبهم بأنه غير ملزم للمرأة المسلمة شرعا إرتداؤه, بل يرى البعض ومنهم فضيلة المفتى "على جمعة"إن النقاب “ليس بواجب”، وأن زى المرأة الشرعي شروطه معروفة، وهي ألا يصف مفاتن الجسد، ولا يشف، ويستر الجسم كله عدا الوجه والكفين، مشيرا إلى أن المالكية أفتوا بأن النقاب مكروه بدليل حظره في الإحرام للحج . ولكنه تجاهل إعتبار النقاب ثيابًا شرعية يتأرجح بين الوجوب والندب وأن النقاب في رأى الجمهور هو عادة زيادة في العفة والفضل.
ولكن مالم يذكره فضيلته أن بقية فقاء المذاهب الأربعة قد أفتوا بشرعية النقاب بدرجات مختلفة, معتدين بنص الكتاب وحجية الحديث وذلك بعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59]، أما العجوز والمرأة الشوهاء فلا يجب عليها النقاب، ولكن يستحب لها، لقوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60].بل يجب على المرأة الاحتجاب عن أقارب زوجها أكثر من غيرهم ، لأنهم يُخشى منهم في العادة ما لا يخشى من غيرهم ، بسبب أنهم يتيسر لهم دخول البيت والجلوس مع المرأة والكلام معها أكثر من غيرهم.
ولا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي وأن النساء كنَّ يفعلنه ؛ كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت : " لا تنتقب " فإن هذا يدل على أنه كان من عادتهن لبس النقاب"
وقال ابن تيمية : حكى أبو عبيدة وغيره أنها تدنيه ( اي النقاب) من فوق رأسها فلا تظهر إلاَّ عينيها, وفى رأى آخر أكثر تطرفا قال به الداعية السعودي الشيخ محمد الهبدان إن الموجود في الأسواق الآن من "النقاب "غالبا" لا يصح ارتداؤه "بحيث تظهر المرأة عينيها أو وجنتيها، وأن النقاب المشروع هو ما ذكره ابن عباس حينما قرأ آية الحجاب فغطى وجهه وعينا وأبدى عينا واحدة صغيرة وقال هذا هو لترى الطريق" .

التحرش الجنسى
التحرش الجنسى هو محاولة استثارة الأنثى جنسياً بدون رغبتها، ويشمل ذلك بالكلام أو الإشارة أو لمس مواضع حساسة من جسد المرأة, أو تعرية جزأ من ملابسها أو كشف الرجال لعوراتهم أمام النساء.
اعترفت مصريات يرتدين الحجاب أن حجابهن لم يحل دون تعرضهن للتحرشات الجنسية. وأفادت 72% من المحجبات المشاركات في استطلاع أجراه "المركز المصري لحقوق المرأة" أنهن يتعرضن لتحرشات مستمرة على الرغم من أنهن محجبات.
ماذا كانت حجة الداعين الى الحجاب، وما زالت؟ «تحجبي... تحفظي عرضك. تصوني نفسك. تكوني من الطاهرات. تكسبين قوة واحتراما. تحجبي... (او... «تنقّبي») ويصير بوسعك الخروج من البيت... هذا ما يقوله الشارع، ويكرّره الدعاة وخطباء المساجد... حتى بعد الاعتداء على المحجبات والمنقبات. لكن الذي حصل ويتفاقم حصوله هو العكس تماماً: كلما زادت نسبة الحجاب، ومعه النقاب، ارتفع إختلال الشارع، وتحول الى مكان غير آمن للنساء. والمدهش ان هذا التلازم بين الحجاب والتحرش، يأتي ضمن تلازم أعرض، بين زيادة مظاهر التدين الحالي وإستمرار تدهور الاخلاق وإنحطاطها. فكيف يمكن تفسير ذلك؟
وفى استعراض لتقرير مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في القاهرة" إلين نيكميير"عن المضايقات والتحرشات الجنسية التي تتعرض لها النساء المنقبات في مصرقالت "بعض النساء في مصر يقلن أن النقاب يزيد من التحرشات ضدهن", وتعتقد السائحات أن مصر هي إحدى أسوأ البلدان في العالم التي يتعرض فيها النساء للمضايقة في الشوارع – بعد أفغانستان, كما حذرت الولايات المتّحدة وبريطانيا رعاياها من النساء المسافرات الى مصر بأنهن قد يواجهن مضايقات أو تحرشات جنسية غير مرغوبه هناك. ويضيف التقرير "أن أسوأ حالات التحرش الجنسي في مصر حدثت السنة الماضية عندما احاط عشرات الرجال بإمرأتين خليجيتين منقبتين وقاموا بمضايقتهما في الشارع. وقام أحد الماره بتصوير الحادثه وبثها على موقع الأنترنيت (يوتيوب).
ويختتم التقرير بالقول( أنه بالاضافه الى السبب الديني فإن من الأسباب الأخرى التي تدعو الى حجاب المرأة فى مصرهو التمرد على الجيل السابق والرغبة في اظهار التضامن الاسلامي والظهور بمظهر الفتاة الجيدة التي تصلح لأن تكون زوجة صالحة, كما أن للحجاب أو النقاب أسباب أخرى إقتصادية وإجتماعية).
على أن التحرش بالمحجبات ناهيك عن المنقبات فى إزدياد يوما بعد يوم وهذا فى ظنى لأسباب عديدة أولها إنتشار الحجاب والنقاب فى المجتمع ليغطى رؤوس أكثر من 85% من النساء مما قلل حجم الفئة المستهدفة من السافرات وهذا ما جعل المتحرشين يوسعون من الدائرة لتشمل المحجابات والمنقبات أيضا.
كذلك فإن المنقبة تكون عادة أقل جرأة فى مواجهة الآخرين, تخاف الفضيحة, ولا ترغب فى إثارة ضجة, خاصة وهى تعلم أن المجتمع الذكورى الذى تعيش فيه ينحاز دائما للرجال( بما فى ذلك نسبة كبيرة من النساء اللائى جبلن على مبدأ الخضوع للرجال), وبالأخص فى مسائل الجنس الذى تحس فيه الأطراف الأخرى وغير المشاركة بالإنتصار والنشوة وكأنماهى طرف فى الموقف وترغب فى إسكات صوت المرأة وإذلالها, ولعلنا نتذكر هنا رائعة يوسف إدريس "سنوبز".
أن المرأة المنقبة أكثر عرضة للتحرش والمضايقة لأنها كيان غير معرّف وتميل إلى الرد بالصمت تحت تأثير العتمة القماشية.. وإن بعض من ينقصهن الوازع الأخلاقى يقمن باستغلال النقاب في إشباع نزواتهن ورغباتهن, خاصة فى الأماكن المزدحمة كالأسواق ووسائل النقل العام.
إن الغالبية من المنقبات عادة من أطراف المدن والأحياء الشعبية, وذوى الأصول الريفية والشهادات المتوسطة, وهم فى الأرجح لا يعرفون الدفاع عن أنفسهن, ولا يملكن ترف تحرير محاضر تعدى فى أقسام البوليس, ويعلمون سلفا أن لا أحد سوف يدافع عنهن بحماس وحرارة مثل الأخريات, والمثال جاهز فى موقف الفتاة الجريئة"نهى رشدى", المثقفة الأرستقراطية التى تصدت لمن تحرش بها, وتحولت قصتها الى قضية رأى عام, بالرغم من الردود الجاهزة ومحاولة البعض توجيه الإتهام لها بأنها فلسطينية وتحمل جوازا إسرائيليا, ودعوة احداهن الشباب إلى التحرش بالسائحات الإسرائيليات كنوع من المقاومة والتقرب الى الله .
على كل حال فهناك مثل فرنسى يقول أن خجل المرأة هو نصف الطريق لإيقاعها فى الرذيلة, أى سهولة إستدراجها, ولا أعرف الى أى مدى ينطبق هذا المثل على المنقبات.