Monday, April 02, 2007


الرجل ذو الأنف الكبيرة

استيقظ من النوم على غير عادته مرهقا, يشعر بصداع شديد, لم يجد ما يحفزه على مغادرة السرير, اليوم جمعة, وهو قد نام متأخرا, سحب الغطاء على وجهه, شعر بثقل البطانية عليه, وباختناق أنفاسه, مد يده ليزيحها عنه, اصطدمت يده بأنفه.
عاد يتحسس أنفه, هناك شيئ متغير لم يتبينه, يشعر أن أنفه تؤلمه بالضغط عليها, أحس كأنها ملتهبة, ربما حرارتها مرتفعة قليلا, لا يدرى, قرر العودة الى النوم, سحب الغطاء على وجهه محاولا استدعاء النوم.
فجأة قام من السرير, دفع عنه الغطاء بعنف, توجه ناحية الشوفينيرة, نظر فى المرآة, هناك شيئ متغير فى أنفه, ربما أكبر قليلا, وضع يده عليها, اعتقد أنه أخطأ التقدير, وأن أنفه طبيعية, طار النوم من عينية, جميع من بالمنزل نائمون, قرر الذهاب الى المطبخ, صنع لنفسه شايا, جلس فى الصالة يسمع الأخبارمن التلفاز مشتتا, ترى ما الذى حدث لأنفه أثناء النوم.
طوال اليوم لم يهدأ له بال, كان يتحسب لكل من فى المنزل, لماذا يحملقون فى وجهه حين يرونه, حتى زوجته, تلك الانسانة الوادعة لاحظها أيضا تنظر الى وجهه, لم يوجه له أحدا أى ملاحظة, ترى هل هم خجلون منه, أم أن الأمر لا يعنيهم.
قرر عدم الخروج اليوم, عندما سألته زوجته ألا يذهب لصلاة الجمعة, أجابها اجابة مبهمه أنه ليس على ما يرام, تسلل الى غرفته, أغلق الباب ورائه, اقترب كثيرا من المرآة, ركّز النظر الى أنفه, لا يزال يبدو متورما.
أثناء ذهابه الى العمل فى الصباح, كان يتحاشى نظرات الركاب اليه, تشاغل بالنظر الى الشباك, كان الجالس الى جواره يتعمد طول الطريق النظر الى أنفه, انتهز فرصة مرور الكمسارى ليسأله ان كان هناك ما يلفت النظر فى وجهه حتى يدقق النظر اليه, كاد الأمر أن يتطور الى معركة.
ولج الى مكتبه مسرعا, دون ان يلقى تحية الصباح على زملائه, طالعته وجوههم وهم فى حركتهم أثناء العمل, تعمّد أن يتصفح وجوههم عند وقوع نظرتهم عليه, ما هى البؤرة التى يركزون نظرتهم اليها, أيقن فى قرارته أن الجميع ينظرون الى أنفه.
أثناء عودته تعمّد أن يدس وجهه فى الجريدة, متحاشيا نظرات الآخرين, مد يده بالنقود الى الكمسارى دون أن يخرج رأسه من الجريدة, قبل الوصول الى المحطة أزاح الجريدة عن وجهه استعدادا للنزول, ولكنه بحركة لا ارادية وضع يده على أنفه فى طريقه الى البيت.
دخل الى غرفته مسرعا, تعلل بأنه مرهق حتى لا يتناول الغذاء مع البنات, أخرج مرآة صغيرة من حقيبة زوجته, قربها الى أنفة, اطال النظر, لابد انها أكبر اليوم عن الأمس, قلب المرآة وأمعن النظر, بحجمها المكّبر تبدو بشعة, أحس بحركة فى الخارج, أعاد دس المرآة فى مكانها بسرعة, أطفأ النور محاولا النوم.
فى اليوم التالى استيقظ من النوم متأخرا, رأسه يؤلمه بشدة, تعذر عليه النوم معظم الليل, قرر عدم الذهاب الى العمل , نادى زوجته وأخبرها أن تتصل بهم وتطلب له عارضة, سألته ما الأخبار, أجاب باقتضاب أنه متوعك قليلا.
ظل طوال اليوم فى غرفته, يتحين الفرصة ليتطلع فى المرآة, انها ما زالت تكبر باطراد, أصبحت تشكل له صعوبة فى الأكل, تتدلى على فمه, وحتى الرؤية, تحجب عنه نصف الأشياء, لم يعد يطيق النظر الى المرآة.
طال انقطاعه عن العمل, وصلته عدة رسائل تنذره بالفصل, غير آبه بذلك, أصبح لا يخرج من غرفته الا الى الحمام, يرفض استقبال أى زائر باصرار,حتى بناته أصبح يرفضهم, رفض أكثر من مرة حضور أى طبيب, حتى الأكل لا يتناول الا القليل, بدا عليه الهزال, وتدهورت صحته.
انقلبت الحياة فى البيت, حالة من الصمت تلف الجميع, لا يعرفون ماذا حدث لأبيهم, ولا تدرى أمهم كيف تتصرف, حاولت اللجوء فى البداية الى أصدقائه المقربين, بعد أن فشلت محاولاتها اتجهت الى أهله وأقربائه, لكن ذلك زاده عنادا وزادت حالته سوءا, لم تدرى ماذا تعمل, حاولت اشراك البنات, لكن تكرر الفشل.
يحس أن المشكلة تزداد تفاقما يوما بعد يوم, يشعر أن أنفه أصبحت ثقيلة على وجهه, تعوقه أثناء الحركة, عند خروجه من باب الغرفة يحاول أن يتوسط الفراغ, وأن يخرج أنفه من الباب أولا, بعدها يخرج بقية جسمه.
بدأت الأسرة تتعود الوضع الجديد, البنات أحسسن بالتحرر من رقابة الأب, يخرجون ويعودون دون حساب أو مساءلة, الأم لا تقدر عليهن وحدها, أيضا هى أصبحت أكثر انشغالا لتحملها كل المسئولية.
لم يعد يخرج من الغرفة, أصبحت أنفه تسد الفراغ أمامه, يكاد لا يرى شيئا على الاطلاق, أحس أن الغرفة تضيق عليه, وأنه يكاد يختنق.
فى الصباح شعر أن أنفه تطبق عليه, تجثم على صدره وكامل جسمه, تملأ فراغ الغرفة, تمنع عنه الهواء, لا يستطيع الحركة أو التنفس, يشعر أن روحه تحشرج فى صدره.
(تمت)


1 comment:

Anonymous said...
This comment has been removed by a blog administrator.