Tuesday, December 02, 2008

الحب فى زمن الكوليرا


تصادف أن دعانى أحد الأصدقاء, أثناء اجازة سريعة بالأسكندرية, لمشاهدة عرض شريط "الحب فى زمن الكوليرا"المأخوذة عن رائعة الكولومبى"جابرييل جارثيا ماركيز"والحاصل على جائزة نوبل.
بداية فأنا لم أقرأ الرواية, ولم أقرأ للمؤلف سوى رواية "مائة عام من العزلة", وعلى كل حال سوف أكتب بإختصار عن الفيلم فقط, والذى يتناول قصة حبيبين من مرحلة المراهقة والحب المجرد "النظرى", الى سن السبعين حين التقيا مرة أخرى.
إذن هى قصة الحب الخالدة بين"فلورينتو أريثا" عامل التلغراف البسيط, وفيرمينا أديثا" إبنة تاجر البغال الثرى, والتى يراها أثناء تسليم برقية الى أبوها, لتتعلق بها روحه من أول نظرة, كصاعقة من السماء أصابته, ليظل ممسكا بهذه اللحظة بقية عمره.
يبدأ فى كتابة سلسلة من الرسائل لها, وبعد تردد تكتب له, فى تتابع طويل من السرد يصيب ببعض الملل, وعندما يعطيان لبعضهما وعدا أن يكونا معا الى الأبد, فى جو رومانسى خالص, يتم طردها من المدرسة الدينية التى تدرس بها لضبطها وهى تكتب له رسالة, فيأتى أبوها كالثور الهائج, مصمما على رفض هذا الزواج بعامل التلغراف, لأنه يأمل بعريس من طبقة إجتماعية مميزة, ويعلن هذا الرفض صريحا لفلورينتو, وينتزعها من المدينة ويرحل بها بعيدا.
تستمر فيرمينا فى مراسلة حبيبها عن طريق التلغراف, ويظل الحبيب يحلم برؤيتها, وبعد عودتها بعد عامين تلتقى به فى أحد الأسواق لتكتشف أن حبها له لم يكن الا مجرد وهم, فتقرر إنهاء الموضوع والموافقة على الزواج من الطبيب الذى أعجب بها عندما إستدعاه أبوها للكشف عليها حين أشتبه فى إصابتها بالكوليرا.
بعد الزواج تعيش فرمينا حياة عادية لا تخلو من بعض المنغصات, لكنها تطوف العالم مع زوجها, وتندمج فى الحياة الإجتماعية, وتنجب, وتكاد تنسى حبها الأول, بينما فلورينتينو يغرق فى ملذات جنسية عابرة, ولكنه يعيش فى إنتظار اليوم الذى يموت فيه زوجها, ويعرف نبأ وفاته بعد 52 عاما من زواجها, فيقرر الإسراع الى الجنازة, ثم الى منزل حبيبته عارضا عليها حبه, فتطرده بقسوة, ولكنه لا ييأس, ويعاود الكرّة أكثر من مرّة حتى يفوز بقلبها, لينتهى الفيلم.
يبدأ الفيلم بمشهد الجنازة, بينما فلورينتينو يستمتع بلحظات حب مع فتاة مراهقة صغيرة, ليسمع صوت أجراس الكنيسة معلنة وفاة الزوج, ثم يعود المخرج على طريقة الفلاش باك ليحكى لنا قصة الفيلم.
والفيلم رغم عبقريته, وإجادة الممثلين لأدوارهم, الا أنه تعيبه بعض السقطات التى أعتقد أنها ربما بسبب الإخراج أو السيناريو وليست الرواية والتى أستبعد أن يكون ماركيز قد إقترفها.
فالفيلم لا يرصد البيئة الإجتماعية أو السياسية للواقع الذى يدور فيه, رغم تسجيله لحوالى نصف قرن من الزمان, فإنه يدور فى أغلبه مصورا الطبقة الأرستقراطية للفتاة وأبيها وزوجها, حتى حين تتوجه الكاميرا لتصوير الشاب المحب عامل التلغراف نرى المخرج يهتم أكثر بأصوله الغنية وميراثه من أبيه, وحتى وباء الكوليرا ظهر فى الفيلم كديكور خارجى, يمكن التفرج عليه من باخرة عابرة وليس كجزء رئيسى من العمل الدرامى, وتلك الحرب التى لانعرف بين من تدور ولا ما هو الهدف منها.
ورغم أن الفيلم يبدو كملحمة طويلة تتجاوز عدة أجيال مثل "السيرة الهلالية", الا أنها تركز أكثر على البطل ومغامراته فى عالم النساء, كما أن المشاهد الرومانسية فى الفيلم تذكرنى برواية "روميو وجولييت" لشكسبير, بما فى ذلك مشهد القيثارة, كما يذكرنى كتابته لرسائل العشاق برواية الشاعر أو "سيرانو دى برجراك".
أحزننى فى الفيلم نظرته الى المرأة وعدم تقديره لها, فالمرأة من خلال كاميرا المخرج فى الأغلب غريزية وسهل أن تخون, أو بتعبير البطل سهل إصطيادها, حتى تلك الحديثة الزواج أمكن له أن يوقعها فى شباكه بسهولة.
كما استطاع المخرج ربما بقصد أو بغير قصد أن يرسم بوضوح صورة البطل فى علاقاته النسائية الوضيعة, وموقفه النفسى والإنسانى من ضحاياه, فلا يهمه من حادث قتل الزوجة التى ضاجعها الا أن إسمه لم يرد فى التحقيق, ويبدى عدم الإكتراث كثيرا لإنتحار تلك المراهقة الصغيرة التى هو الوصى عليها, أو بمثابة والدها, والذى أقام علاقة جنسية معها, وإنتحارها بعد هجرانها لها ودعوتها للسفر الى أمريكا لإستكمال دراستها.
كنت أتمنى لو إنتهى الفيلم بمشهد رفض "فيرمينا" لعرض الزواج من"فلورنتينو" بعد وفاة زوجها, ولكن وبإسلوب مخرجينا فى وضع النهايات السعيدة, تم الإصرار على الإطالة الغير مبررة, والتى لا تخدم الهدف الدرامى للفيلم.
على أن أهم ما شدنى فى هذا الفيلم هو ذلك الدور العظيم للممثلة الرائعة التى قامت بدور أم فلورينتو.
ختاما فالأعمال الروائية العظيمة عادة ما يصعب ترجمتها دراميا الى الشاشة البيضاء, لقد عانى من ذلك أديبنا الراحل, الحائز على جائزة نوبل أيضا"نجيب محفوظ", مما دعاه أن يتبرأ من الأفلام المأخوذة عن رواياته, أرجو أن يكون هذا ماحدث مع أديبنا العظيم"ماركيز", لا أستطيع أن أجزم لأننى لم أقرأ الرواية
.

1 comment:

Anonymous said...
This comment has been removed by a blog administrator.