Thursday, June 18, 2009

دكان شحاتة .. والواقعية المصرية


لاشك أن ما يصنعه "خالد يوسف" وكوكبة من السينمائيين المصريين يعد فتحا جديدا فى تاريخ السينما المصرية والتى تجاوز عمرها المائة عام.
فكما شق روسيللينى وفيسكونتى ودى سيكا الطريق الى الواقعية الإيطالية فى أربعينيات القرن الماضي والتى تميزت بنزوعها نحو تصوير الواقع كما هو بأدوات إنتاجية بسيطة وبممثلين فى الأغلب غير محترفين والتى نزعت الى التصوير الخارجي أو الميداني.
على أن سمات هذا الشكل الواقعي الحديث فى السينما المصرية هو اختفاء اللقطات الطويلة الثابتة والديالوجات الطويلة لحساب سرعة حركة الكاميرا وتطور المونتاج, كما لم يعد للرقصات والأغاني الطويلة مكان وصار الإعتماد أكثر على الكليب المصور مع خروج الكاميرا أكثر ورصدا حركة الشارع فيما يشبه اللقطات التسجيلية والوثائقية, وكذلك التجرؤ على المحرمات الثلاث ( الجنس والدين والسياسة ), وقد شق هذا الطريق باقتدار المخرج العالمى يوسف شاهين فى مرحلته السينمائية الأخيرة, وأكمله مجموعة متميزة من المخرجين الشبان وعلى رأسهم خالد يوسف والذى ما زال يغرد بعيدا على القمة, مستفيدا من إمكانية حرفية عالية, وتوظيف لهذه الإمكانيات بأعلى درجة, مع رؤية درامية منسجمة مع فكره السياسى الذى يعلنه بصراحة ووضوح دائما, وإقتحامه المباشر للأحداث الساخنة والملغومة بجرأة يحسد عليها, مع إستفادته من مستوى عال من التأليف السينمائى لناصر عبد الرحمن, الذى كتب له سلسلة أفلامه الأخيرة ومنها "دكان شحاتة". ومع متابعتنا لشريط الفيلم نجد أن أعلى منطقة فيه هى الربع ساعة الأولى مع نزول تتر الفيلم ومانشيتات الصحف واللقطات الثابتة للأحداث السياسية والإجتماعية التى مرّت بها مصر منذ نهاية عصر السادات وبدأ الشريط بالعنبرة فى السجن احتفالا بخروج شحاتة بعد انتهاء سجنه, وبخروج "شحاتة" وصدمته الأولى بإقتحام الجياع لقطار يحمل شحنة قمح مع عجز الأمن المركزى عن التدخل, تبدأ الدهشة أو الصدمة الأولى بحجم التغيير.
على أن خالد يوسف كعادته فى أفلامه السياسية الأخيرة ( فوضى وميسرة) يحاول أن يحشد كل ما يشغله من موضوعات وما يراه من مشاكل فى شريط واحد, هذه المشاكل التى تتعلق بانهيار القيم وتدهور الإقتصاد والتخلف الإجتماعى, متمثلا ذلك فى انهيار الخدمات الصحية (وفاة أم شحاتة, مرضى الأورام...), والتعليم (تحرش الأساتذة بالطالبات والدروس الخصوصية....), العنف ضد المرأة (مشهد فض بكارة بيسة, ميراث المرأة...), الفساد السياسى (تزوير الإنتخابات, التطبيع...), الإنهيار الإقتصادى والقيمى (بيع مياه الشرب بالقرى, معارك الخبز....), وعشرات الموضوعات (العبّارة, الدويقة, حريق مسرح بنى سويف, اقتحام معبر رفح, حريق قطار الصعيد, أحداث الأمن المركزي...).
تم حشر كل هذه الموضوعات وغيرها الكثير من خلال فيلم حوالى الساعتين متناولا مساحة زمنية تمتد من 1981إلى 2013 حيث ينتهي الفيلم بصورة شديدة السوداوية لعمليات قتال بالجملة فى الشوارع يشارك فيها الجميع ضد الجميع بالأسلحة البيضاء, فيما يشبه الحرب الأهلية, وبطريقة تبشر بالخراب القادم فى الأعوام القليلة القادمة بطريقة شديدة التشاؤم مع عدم رؤية أى بصيص ضوء فى نهاية النفق.
يرمز المؤلف والمخرج بالطبع بالدكان الى مصر, والتى تركها الأب أمانة فى يد أبنائه, ليبيعها ابناؤه الأشرار بواسطة الغير(ابن الدكتور مؤنس) القادم من وراء المحيط (أمريكا؟), الى عدوهم, ليرتفع عليها العلم الإسرائيلى كسفارة للإسرائيل فى مصر, بعد أن استلبوا ميراث أخوهم الطيب واغتصبوا خطيبته.
والفيلم عبارة عن خلطة مكثفة من العنف والجنس كتوليفة تجارية ناجحة تم استخدامها بتقنية عالية لإحداث أكبر فرقعة وجذب المتفرج الى شباك التذاكر, الجنس الذى جسّدته أحدى اشهررموز الإغراء فى العالم العربي (هيفاء وهبي ) بطريقة مقحمة ومفتعلة, مثل الرقصة الخليعة لخطيبها وهى البنت الصعيدية أو الحلم الذى جمعهما فى السرير معا.
كما كان للعنف والمعارك المجانية وغير المبررة نصيب كبير فى الفيلم, استعرض فيها المخرج مواهبه الفنية بطريقة مبالغ فيها, فهذا الإنسان الطيب الى حد البلاهة "شحاتة" يفاجئنا بإمكانيات قتالية غير عادية, لا ندرى متى وأين تعلمها, حتى أن شخصية هامشية مثل" البرص" يملك أيضا مواهب قتالية استعراضية, معارك يعمد المخرج الى إقحامها على الفيلم بمناسبة ودون مناسبة.
القصة كما حاول المخرج والمؤلف الايحاء بها هى توليفة من قصة سيدنا يوسف وإخوته, وتفضيل الأب لأحد أبنائه على بقية اخوته, مما أوغر صدورهم عليه, وأشعل الرغبة فى الانتقام منه, ومن قصة قابيل وهابيل, أو الشر فى مقابلة الخير, وغيرها.
حاول خالد يوسف فى هذا الفيلم كما فى أفلامه السابقة أن يؤكد وجهة نظره السياسية, وهى وجهة نظر أحادية الجانب وساذجة, وملخصها أنه بوفاة عبد الناصر وصعود السادات الى السلطة أنهار كل شيء, الاقتصاد والسياسة والقيم والأخلاق, والذى لم يدركه أنه وبرغم الفروق بين الرجلين الا ان الثانى هو امتداد للأول بصورة أخرى, وأن التطور التاريخى عملية معقدة لا تتم بشكل مباشر ولكن بشكل حلزوني صاعد, عموما ليس هذا مجال التنظير, ولكن احتفاظ الأب بصورة عبد الناصر, ومحاولة الابن أن يغطى بها الشرخ الذى أحدثه السادات فى جدار مصرولكن الشرخ كان أكبر من أن تغطيه صورة الزعيم , ومشهد شحاتة وهو ينظر الى صورة عبد الناصر فى ويقول(وحشتنى قوى يا بوى).
عموما يحسب لهذا الفيلم الكاميرا الجميلة والمتقنة لأيمن ابو المكارم, وكذلك ديكور حامد حمدان الذى جسد من خلال الدكان والقصر فى صور متقابلة وحقيقية, أما التمثيل فقد أجاد محمود حميدة فى دور الأب حجاج, وغادة عبد الرازق فى دور الأخت المغلوبة على أمرها نجاح, وأعجبنى كذلك صبرى فواز فى دور "طلب",أيضا رامى غيط فى دور " البرص", كما لعبت موسيقى يحيى الموجى وغناء أحمد سعد دورا شديد الحيوية فى الفيلم , كما كان لأشعار "جمال بخيت الرائعة والتى فاجئتنا بقوتها وقسوتها معا دورا أساسيا فى إكمال الإحساس بالواقعية المجردة..
سقطت هيفاء وهبى فى أول إختبار لها على الشاشة, وعموما فقد وظّفها المخرج كعنصر إغراء وجذب الى شباك التذاكر, ولكنها لم تستطع أن تملأ هذا الدور, شتان بينها وبين الفنانة المبدعة هند رستم فى أعمال مثل "باب الحديد", ولكن مما يحسب لهذه الممثلة أنها تحاول رغم محدودية موهبتها أن يكون لها مكان على الساحة الفنية, من خلال ذكائها الإجتماعى واستغلال إمكانياتها الجسدية, كما كان عمرو سعد أشبه بالبلهاء والمغيب عن الواقع المحيط به, ولم يقنع أحدا بدور الطيبة الذى حاول المخرج أن يرسمه له, بل كان أشبه بالمتخلفين عقليا, وجاء تقليده لأحمد زكى فى المشاهد الأخيرة باهتا.ا.
كذلك فإن تصميم المخرج أن يجعل من فنان جيد مثل عمرو عبد الجليل بلياتشو أو مهرج من حيث طريقة النطق بكلمات مقلوبة وغير مفهومة تماما كما صنع معه في فيلم حين ميسرة هو شيئ سيئ ويحسب عليه وليس له.
كما أن لقطة الدراويش فى حلقة الذكر وتشتيتهم البصرى بسيقان هيفاء وهبى لم يكن لهذه اللقطة داعى, وكان من الأفضل حذفها فى المونتاج مع عدم التأثير على الفيلم.
على أن الفيلم ومخرجه حاولا أيضا أن ملامسة ميلودراميات يوسف بك وهبى ان يحاول إستدرار الدموع فى مشهد النهاية, استكمالا لتيمة الفيلم التجارية.
على أن الفيلم بمحمله جيد ويعد نقطة هامة فى تطور السينما, وعلامة مضيئة على السينما الجديدة فى مصر.
خلاصة القول فإن الشجر المثمر وحده هو ما يتعرض للقذف بالأحجار, ولولا أن هذا الفيلم جاد وجيد لما استحق كل ذلك الجدل.
فى النهاية خالد يوسف شكرا.

6 comments:

الشاب الميت said...

theymakemeadeadyoungman.blogspot.com مدونتى الجديدة جعلونى شاب ميت

www.tadwina.com said...
This comment has been removed by a blog administrator.
Borsa said...

thanx for this blog and please let me take a copy to my site

البورصة المصرية

منتديات البورصة المصرية

بورصة أسهم السوق السعودى

تجارة عملات | فوركس | تجارة العملات | تداول عملات | Forex

Anonymous said...

تحياتى لكم

وضعت أخيرا رابطا يضم 300 موقعا ثقافيا و أدبيا على مدونتى

http://shayunbiqalbi.blogspot.com/2009/07/blog-post_23.html

أتمنى أن يحوز اعجابك سيادتكم

Anonymous said...

فعلا الواقع المصرى صار أليما

Anonymous said...
This comment has been removed by a blog administrator.