Sunday, January 17, 2010

الحكومة ترقص على إيقاع شباب الفيس بوك


فى ظاهرة جديدة ومبشّرة تقوم مجموعة شابة ورائدة وجسورة من الشباب بفرض إيقاعها ليس فقط على حكومة الحزب الوطنى ولكن أيضا على جماعة الإخوان وباقى فصائل المعرضة بل وكامل المجتمع فى حركة دؤوبة ومتصاعدة لا تهدأ على الشبكة العنكبوتية بدأت بمجموعات المدونين وترسخت أكثروأكثرعلى الفيس بوك، لتحرك المياه الراكدة وتبعث روح الأمل فى الجسد الواهن والمنهك للمجتمع المصرى.
رغم الحراك السياسى الذى لم ينقطع منذ الصدمة الحضارية التى اصابت المصرين إبان الحملة الفرنسية والنظم والقوانين الرأسمالية الليبرالية التى جلبتها الحملة، والمقاومة الشعبية التى اشتعلت فى كل مكان ضد الفرنسيين ومن بعدهم الإحتلال الإنجليزى وضد الحكومات البائدة والنظم الدكتاتورية، ونضال الحركة العمالية تاريخيا ضد مستغليها وسارقى قوتها من الرأسماليين المتحالفين مع الحكومات المتعاقبة.
ورغم تعدد أساليب النضال الثورى من هبات عفوية وحركات سياسية منظمة كأحزاب وطنية وتنظيمات نقابية وإستخدام كل اشكال التحريض الجماهيرى المتاحة من صحافة رسمية وسرّية ومنشورات ومجلات حائط ورونيو وبالوظة وكل الامكانيات المتاحة وغير المتاحة.
نعود لموضوعنا عن الأوضاع الراهنة وحالة التوتر والقلق التى نعيشها والتى تدفع تقريبا بكل فئات المجتمع للتمرد على هذه الأوضاع من عمال مهمشين وفلاحين مسحوقين ومثقفين وطلاب ومهنيين وقضاة واساتذة جامعات ولم يستثنى من ذلك اى فئة او شريحة طبقية.
لكن الجديد فى الموضوع هو ثورة الإنترنت وهذا المارد الذى خرج من القمقم و هؤلاء الشباب الذى انطلقوا رافضين كل ما يحيط بهم من سلبيات وبطالة وفساد غطى جميع أوجه الحياة ليتمردوا بقوة وعفوية فرضت إيقاعها وأجندتها على الجميع وخاصة على هؤلاء الحكام الذين يعيشون فى قصورهم ومنتجعاتهم ليصبح هؤلاء الشباب هم من يعيد صياغة وجه مصر الجديدة.
بدأ ذلك بما يعرف بحركة المدونين والتى انطلقت رغم كل القيود والتابوهات لتعلن عن نفسها فى آلاف المدونات التلقائية التى ترفض كل أنواع الظلم والقهرو لتتصدى بقوة غير عادية لعمليات التعذيب داخل أقسام الشرطة باستخدام التصوير بواسطة الموبيلات ونشرها على موقع اليوتيوب، وفضح حالات الرشاوى والفساد والمحسوبية، ورغم ملاحقة السلطات لهم الا انهم اثبتوا أنهم الأذكى، ورغم التنكيل بهم ومحاولة الحكومة والحزب دفع اذنابهم لصنع مدونات صفراء مضادة للحد من تأثيرهذه المجموعات إلا أنهم إستطاعوا إثارة عشرات القضايا واصدار احكام جنائية على بعض الضالعين فى التعذيب وأشهر هذه القضايا هى الضابط اسلام وعماد الكبير سائق الميكروباص، كذلك موضوع شركة أجريوم فى دمياط وإجبار الحكومة على التراجع.
على أن الثورة الأخطر والأكثر تأثيرا حدثت بعد إكتشاف هؤلاء الشباب لمواقع التواصل على النت مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها، ليتم فى زمن قياسى تكوين الآف المجموعات باللغات العربية والأجنبية خصوصا على الفيس بوك وهذه المجموعات تتبنى مئات القضايا الجادة كالديموقراطية والحقوق الإقتصادية والنقابية والفساد والتلوث وحقوق الإنسان والمرأة والأقليات وغيرها.
أبرز هذه المجموعات هى مجموعة شباب 6 إبريل التى نظمت وقادت حركة إضراب ناجحة وقوية وناضجة بكل المقاييس فى 2008 رغم أنف الحكومة والإخوان والأحزاب الورقية والتى وصفهم أحد قادتها بأنهم مجموعة من العيال "اللاسعين"، ومما يدلل على رعب السلطة منهم واهتزازها ذلك البيان الذى أصدرته فى 5 ابريل ليلة الإضراب بتحذير المواطنين من الإستجابة لهذه المجموعة والقبض على بعض قياداتهم مثل "إسراء عبد الفتاح" أول من أطلق الدعوى للإضراب والعشرات من المدونين، ولكن ساعد رد الفعل الحكومى على النجاح الكبير لحركة الإضراب والإحتجاج واشتعلت المحلة الكبرى ونزلت قوات الأمن الى الشوارع لقمع المتظاهرين ليسقط العشرات بين قتيل وجريح وتستمر الإحتجاجات حتى يحقق العمال اغلبية مطالبهم، إن رد فعل الحكومة إزاء هذا الحدث ونشرها لعشرات الآلاف من قوات الأمن المركزى فى الشوارع واعلانها حالة الطوارئ فى أجهزتها الأمنية والإعلامية لدليل عن تحول هام فى تفاعل النظام مع هذه الحركة غير المنظمة كرد فعل وليس كفعل ورقص على ايقاعهم.
ونظرة سريعة على الواقع الذى نعيشه الآن نرى أن المحرك الأكبر للاحداث ليس الحكومة ولا الأحزاب أو غير ذلك ولكنه فى الحقيقة هى المجموعات التى تنتشر بشكل سرطانى على الفيس بوك، وتقف الحكومة عاجزة أمام تأثيرهم المتعاظم، وتبدو كالبهلوان وهى ترقص على ايقاعاتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة أحاول إختيار بعضها:
1- الموقف من التوريث ونشوء عشرات المجموعات المعارضة للتوريث والمناهضة لتولى نجل الرئيس للحكم، ناهيك عن الإستبيانات والإستفتاءات التى يقومون بها والتى تظهر مدى الكره الشعبى لهذا النظام، مما دعا السلطة لمحاولة استخدام النت و اطلاق جمال مبارك لموقع خاص به ومحاولاته ادارة حوارات مفتوحة مع الشباب، محاولا تقليد حملة باراك أوباما، ولكن الفشل الذريع يلاحقه، وشباب الفيس بوك يقف له بالمرصاد.
2- الموقف من انتخابات الرئاسة ودعوة مجموعات من شباب الفيس بوك لترشيح بعض الرموز الوطنية للمنافسة على المنصب مثل البرادعى وعمرو موسى وأحمد زويل وشخصيات أخرى، والدعوة لعمل توكيلات شعبية للبرادعى وللجنة من القوى الوطنية لتعديل الدستور مما أصاب النظام بحالة من الرعب بدأت بإطلاق حملة شعواء من صحفه الصفراء ضد الدكتور محمد البرادعى فى حالة هستيرية تحاول النيل من الرجل بطريقة مسعورة واطلاق اتهامات سخيفة مثل أنه كان متخلفا دراسيا وأنه تنازل عن جنسيته المصرية ليصل الأمر ببعضهم الى إتهامه بالعمالة لإسرائيل، وأيضا أصدرت الحكومة الأوامر لمكاتب الشهر العقارى بعدم إصدار هذه التوكيلات، وتم القبض على بعض المدونين.
3- حتى فى أحداث الإعتداء الإرهابى على بعض الإخوة المسيحيين فى نجع حمادى فبمجرد وقوعها وحدوث حالة من الإحتقان الشديد والخوف من امتداد الحدث لمناطق اخرى فوجئنا بتوالد عشرات المواقع على الفيس بوك تدعو للوحدة الوطنية وتعزى الأقباط وترفع شعارات الوحدة الوطنية.
4- حتى فى قضايا فرعية كالتحرش فإن شباب الفيس بوك لم يكتفى برصد الظاهرة ولكنه تصدى للظاهرة بقوة وتشكلت سريعا مجموعات ضد التحرش .
5- عشرات الموضوعات التى تشغل الناس يتم التحاور بين الشباب حولها على الفيس بوك، النقاب والحجاب والدواء والغذاء والسور الفولاذي والمصالحة الفلسطينية وانتخابات المهنيين وخلافات الإخوان وحماية المستهلك وعشرات الموضوعات الأخرى يتم إثارتها ومناقشتها بتحرر ودون عقد على الفيس بوك.
6- الجديد هو انتشار مجموعات نوعية وترتبط بقضايا بسيطة تهم مجموعة محددة من الناس، كالدعوة لتأيد نادي رياضي معين يتم بتشكيل مجموعة، الزملاء فى شركة يكونون مجموعة، المعجبين بكاتب أو فنان يكونون مجموعة، حتى أن الأمر أمتد الآن لتكوين مجموعات جغرافية خاصة بسكان منطقة محددة يناقشون فيها مشاكل هذه المنطقة، وآخر مثال على ذلك هو مجموعة من المعادى تشكلت للإعتراض على الموقع المقترح لإقامة مبنى كارفور الجديد.
7- الأكثر أهمية فى الموضوع أن هذه المواقع والمجموعات ليست فقط أماكن للتنفيس والدردشة ولكن تحولت الى مجموعات عمل بتكليفات محددة لأعضائها مثل الدعوة لإجتماع أو فعالية أو وقفة إحتجاجية.
8- لا تخلو اى ظاهرة من بعض السلبيات أشهرها هو التجمعات المتطرفة مذهبيا التى يتم من خلالها تبادل الإتهامات والشتائم والبذاءات، بالإضافة الى المواقع غير الأخلاقية، ورغم سلبية هذه الظاهرة، الا أن ذلك بالضرورة ضريبة الحرية والإنفتاح الوسع على مجال بهذه السعة والإنتشار، ولكن فى النهاية لن يبقى الا الأكثر صحة ومنطقية والغير طارد للآخرين.
كما يظهر فإن الحكومة فقدت قدرتها على التحكم فى الأحداث أو حتى التأثير فيها وانحسر دورها فى مجموعة من ردود الأفعال لفعل حقيقى يقوم به مجموعة من الشباب الغض على الفيس بوك يشكلون المستقبل الواعد لوطن حر وديموقراطى ومتقدم.

1 comment:

sal said...

احييك يا دكتور
مدونة مميزة وجادة
استمتعت بقرأتها
اتمنى لك كل توفيق وسداد