Monday, February 22, 2010

ظاهرة البرادعى...دعوة للتأمل

"ن الفقر وما ينتج عنه من فقدان الأمل يمثل "أرضا خصبة" للجريمة المنظمة والحروب الاهلية والارهاب والتطرف."
   محمد البرادعى

بداية لست شديد الحماس للدكتور محمد البرادعى مع عظيم تقديرى للرجل، فهو بالنسبة لنا قادم من الغيب، لم يعش فى مصر معظم حياته، ولم يمارس السياسة بالمعنى المباشر أى لم يدخل الى العمل فى الحركة اليومية للجمهور من نضال متجدد حول الظروف الإجتماعية الصعبة والمعاناه لملايين المصريين من اجل لقمة العيش، من طوابير الخبز والأنابيب الى إعتصامات العمال و إضرابات الصيادلة والأطباء واعتراضات الطلاب والصحفين واساتذة الجامعات والقضاة، حيث كان يعيش فى جينيف حياة مرفهه، ولم يجرب سجون ومعتقلات السلطة وحتى لم يشارك برأى واضح فى قضايا الديموقراطية والحريات الاّ بعد أن انتهت ولايته فى المنظمة الدولية وما تردد فى مصر عن امكانية ترشيحه للمنصب الرئاسى.
على أن الرجل انصافا لم تتلوث يده يوما بشبهة فساد أو إستغلال منصب أو تربح أو حتى علاقة بالسلطة، أو بقوى المعارضة التى تم ترويضها واستنامتها منذ زمن طويل، فهو بشكل عام انسان عصامى بنى نفسه بنفسه، وإبن أحد المشهود لهم بالوطنية نقيب المحامين الأسبق فى عهد عبد الناصر مصطفى البرادعى، كما أنه حقق لنفسه ولوطنه مكانة دولية محترمة و إستحق ان يفوز بجائزة نوبل بجدارة، والتى تبرع بها لدور رعاية الأيتام فى مصر.
المسألة الأهم فى نظرى هو أن قوى المعارضة فى مصر تعانى من مشاكل متعددة بنيوية وتنظيمية وجماهيرية ومفتقدة بشكل كبير لوجود رمز تاريخى يمكن ان يتوحد خلفه الجميع من أجل إنقاذ الوطن والخروج من الوضع الإستاتيكى الذى نعيشه، فاليسار المتشرذم عاجز عن فعل شيئ، والإخوان القوة الأكثر تنظيما وجماهيرية حبيسة أزمتها الداخلية ولا تقبل الاّ بمن يعتنق أفكارها ويعمل تحت إمرتها، وتتخوف من رياح أى فكر مدنى، وباقى الأحزاب الرسمية قانعة بوضعها الهامشى و ما يهمها هو رضا السلطات عنها.
ولكن كما ذكرت فى مقال سابق (الحكومة ترقص على إيقاع شباب الفيس بوك ) فإن هذا الشباب الواعد هو من بدأ بفكرة ترشيح البرادعى للرئاسة والتى تلقفها الأستاذ هيكل طارحا فكرة تكوين لجنة حكماء من ضمنهم البرادعى لوضع دستور جديد، ولكن هذا الشباب كان أكثر جرأة ومصداقية فاخترع فكرة التوكيلات والدعاية على النت والإعداد لإستقباله فى المطار وآخرها طبع كتاب مليونى للتعريف بالرجل ومواقفه.
لا يشكك مكابر فى مواقف البرادعى ورؤيته الليبرالية ودفاعه عن حقوق الإنسان والديموقراطية، قد يشكك البعض فى رضا أمريكا عنه، وفى بعض مواقفه التوافقية أثناء رئاسته للوكالة، حسنا للرجل مآخذه ولكن هو وطنى وديموقراطى معا، ووجها مقبولا فى الداخل والخارج، ورمزا يمكن مساندته والبناء على مواقفه.
إن النظام يعرف قدر منافسيه، لذا نجده مرعوبا من احتمال دخول الرجل المعترك السياسى، وهم يعلمون أن الحملة التى أثاروها جاءت برياح عكسية، لذا فى محاولاتهم الأخيرة يعملون على تحطيمه وشل عزيمته بالضربات التكتيكية وليس بالقاضية، أليس من العقل الآن أن تحتشد كل القوى المطالبة بالتغيير للتمسك به خيارا، فلا أعتقد أن الآخرين فى المعارضة بظروفهم البائسة قادرين على تسويق بديلا عنه، والمراهنة على وجوه محروقة مثل أيمن نور لم تعد تجدى، وعلى عناصر نخبوية وضعيفة مثل حمدين الصباحى لا تنفع، فليس هناك شخص بقامة البرادعى قادر على تحريك الجماهير فى مواجهة مبارك أو إبنه.
تبقى الإشكالية الواقعية لإنفاذ سيناريو تغيير الدستور ونزاهة الإنتخابات والمراقبة الداخلية والخارجية لها وكل التحديات التى يمكن أن نواجهها، فى رأيي انه يجب الإتفاق بداية على المبدأ، هل نحن جادون فعلا وراغبين فى التغيير؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل نتخلى ولو قليلا عن ذواتنا المتضخمة بالفعل ونقرر النضال مع هذا الرجل، بعدها اظن أن لا شيئ مستحيل، الوقت ما زال أمامنا، فأكثر من عام ونصف ليس بالقليل، والحراك الجماهيرى قد بدأ، نعم لا يوجد ماهو سهل، ولكن لنتذكر أن هذا الشعب قادر على صنع المستحيل، المهم أن نبدأ.

No comments: